علاقة الأخلاق بالأحكام الشرعية

إن السلوك الإنساني انعكاس طبيعي للعقيدة وبالتالي فالعلاقة بينهما وطيدة، ولذلك كلما حاول العلماء والباحثون اكتشاف أطراف هذه العلاقة كلما وجدوا أنفسهم أمام مجموعة من المسائل المتعلقة بالسلوك الإنساني من حيث تحديد المفاهيم الأخلاقية والقيم الفاضلة الخاصة به.

إن الأخلاق في الإسلام لا تعني بالضرورة السلوك الإنساني الفردي أو الممارسات الصادرة عن الإنسان عند التعامل الاجتماعي، فرغم أن عبارة (حسن الخلق) تعني تحلي الإنسان بمجموعة من الصفات والخصال الحميدة كالحياء والصدق والبر، والوقار والصبر والحلم، والعفة والبشاشة والصلاح وغيرها من الخصال التي تُترجم في شكل سلوكيات يومية ومعاملات مجتمعية، إلا أن حُسن الخلق - بهذا المعنى المذكور آنفاً - إنما هو جزء من معنى الأخلاق؛ ذلك أن الأخلاق أوسع وأكبر من ذلك، فهي (تمثل ركناً من أركان الدين الثلاثة، التي لا يلحقها نسخ ولا تبديل، وهي العقائد، وأصول العبادات، وأمهات الفضائل. فهذه لا تختلف من نبي لنبي، ولا من شريعة لشريعة)[1]. فالأخلاق في الإسلام ليست مرتبطة بالآداب وحسن السلوك ولا مندرجة في أبواب الفضائل فقط، وإنما هي متغلغلة في جميع الأبواب وجميع الأحكام ومندرجة في جميع التكاليف الشرعية، من العقائد والعبادات والعادات والعقود والمعاملات والجنايات والعقوبات والسياسات... فكل ذلك متسم بالأخلاق ومؤصل عليها ومتفاعل معها.

إن كل من يدقق النظر في القرآن الكريم يستشعر وجود البعد الأخلاقي في كل التشريعات، ذلك أن الأخلاق هي الأسس والقواعد الأولى للتشريع الإسلامي، فقد ثبت أن أوائل الأوامر والنواهي التي أنزلت وتلقاها الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع توحيد الله وعبادته، إنما كانت أوامرَ ونواهيَ خلقية.

فأول وصية منه تعالى في قوله: "{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}[2]، إرشاداً منه سبحانه إلى طهارة الأرواح الذي يرد إليها اعتبارها ويبعدها عن دنس الشرك. أما الوصية الثانية فتمثلت في قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}[3]، قال الشيخ عبد الله دراز: (أما بعد: فما كنه تلك الثياب التي أمرنا بتطهيرها؟.
أما الحرفيون الماديون، فإنهم يفهمون منها أدنى معانيها إلى حسهم، ذلك اللباس الذي توارى به أبداننا. وأما المتفقهون في أسرار اللغة والدين، فإنهم يفهمون منها شمائل الأخلاق، التي قال الله في شأنها: {وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ}[4])[5]، واستطرد الشيخ مبيناً أن ليس المعنى الوحيد للآية هو ما ورد لكنه الأوْلى والأهم بقوله: (والقول الجامع في هذا المعنى: هو أن النفس يحيط بها أربع طبقات، كل واحدة منها تعد ثوباً لها. أدناها إلى جوهرها طبقة الصفات والأحوال النفسية؛ وهذا من ثوب الشعار.. ثم يلي ذلك ثلاث طبقات من الدثار؛ طبقة السير والأعمال، ثم طبقة البنية والجثمان، ثم طبقة الملبس الذي يكسو ذلك الجثمان... والقرآن في آياته المفصلة يناشدنا أن نحرص على طهارة الطبقات الأربع جميعاً، بل على طهارة كل ما نلامسه ونباشره من مكان ومصلى ومسكن.....)[6]، (... غير أنه لما كانت عناية القرآن دائماً بالمخبر والجوهر أشد منها بالصورة والمظهر، كان الهدف الأول الذي تتجه إليه الوصية ها هنا، هو الجانب الروحي الخلقي، جانب السيرة والسريرة)[7].

وفي الحوار المعروف الذي جرى بين هرقل و أبي سفيان حول بعثة النبي صلى الله عليه وسلم قال هرقل: ماذا يأمركم؟ قال أبو سفيان: (يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والزكاة، والصدق، والعفاف، والصلة فقال للترجمان: قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها. وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول، فذكرت أن لا، فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله، لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله، وسألتك هل كان من آبائه من ملك، فذكرت أن لا، قلت فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه. وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله.وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم، فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل، وسألتك أيزيدون أم ينقصون، فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم. وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك هل يغدر، فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك بما يأمركم، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه...) الحديث[8].وفي حديث أم سلمة الطويل حول لقاء المسلمين المهاجرين بنجاشي الحبشة، قال جعفر بن أبي طالب للنجاشي: (وأَمَرَنا - أي رسول الله صلى الله عليه وسلم - بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصِلة الرحم، وحسن الجوار، والكفِّ عن المحارم والدماء. ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة. وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. قال فعدد عليه أمور الإسلامفصدقناه، وآمنا به واتبعناه على ما جاء به فعبدنا الله وحده لا نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا...)[9].

تحظى العلاقة بين الأخلاق والتشريع الإسلامي بأهمية بالغة لا تخفى على لبيب، فنجد العلماء قد اعتنوا بالعبادات على سبيل المثال لا من حيث الشرح والبيان لكيفية القيام بها وأدائها صحيحة من الناحية الشكلية وحسب، بل حرصوا على حفظ المقاصد والغايات السامية من وراء هذا الأداء، والأمثلة على ذلك كثيرة.

إن من الضوابط الأخلاقية في الصيام على سبيل المثال، ترك اللغو والنميمة والكذب... وغيرها من الخصال الذميمة التي تفسد الصيام وتجرده من معانيه الحقيقية، وتبعده عن مفاهيمه العميقة، وتحول دون تحقق المقصود من وراءه ألا وهو تهذيب النفوس، وتقويم السلوكيات، وتشجيع الحرص على المداومة بفعل الخيرات، والبعد عن الشرور، بل إن فعل المعاصي والتخلي عن هذه الضوابط الأخلاقية إنما يبطل الأعمال ويحبطها، قال صلى الله عليه وسلم: "من لم يدَعْ قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"[10]، والعكس بالعكس، إذ لو حرص الإنسان على التحلي بالصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة كان صيامه ستراً له من النار، قال صلى الله عليه وسلم: "حدثنا علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ربكم يقول كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف والصوم لي وأنا أجزي به، الصوم جنة من النار، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وإن جهل على أحدكم جاهل وهو صائم فليقل إني صائم"[11]، بيت القصيد هو قوله أن "الصوم جنة" والْجُنَّة بضم الْجِيم الْوقاية وَالسَّتْر[12]، فالحاصل أنه إذا كف نفسه عن الشهوات والرذائل كان ذلك ساتراً له من النار في الآخرة.

كما نجد أيضاً في نفس الباب قوله تعالى عن الحج: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[13]؛ جاء في تفسير ابن كثير عن لفظ الفسوق: (قال مقسم وغير واحد، عن ابن عباس: هي المعاصي)[14]، وقال آخرون: (الفسوق هاهنا السباب لقوله صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)[15]، (وكذا روى ابن وهب، عن يونس، عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: الفسوق إتيان معاصي الله في الحرم)[16]، لكن مهما تعددت التفسيرات فإن ما يعنينا من هذه المعاني ذلك الربط بين المعاصي وأداء فريضة الحج في المكان المقدس وهو الحرم، ذلك أن الأخلاق الإسلامية هي في الحقيقة من شروط صحة العبادات.

أما الزكاة فهي الركن المالي الاجتماعي المباشر، وهي أخلاق في ذاتها ومضمونها، وتسميتها. ففيها تزكية للنفس، وسمو ورقي، وغنى عند الله، وبإخراجها تتحقق الأخلاق الفاضلة وينعم المجتمع، ويتآلف أفراده ويتكافلون ويتكاتفون، ومن أفضل ما كُتب عنها ما عدَّده لها العلامة بن حسن القنوجي من آداب ثمانية يستفيدها مُخرِجها، ويحظى بالتدرب والتمرن عليها، إذ قال: (الأول: أن يفهم أن الغرض من الزكاة الامتحان بأن لا يكون له محبوب إلا الواحد الحق، وله مراتب، أولها الذين نزلوا عن جميع أموالهم كما فعله الصديق رضي الله عنه، وثانيتها: الذين يدخرون على قدر الحاجة ويصرفون الفاضل في وجوه البر، وثالثتها الذين يقتصرون على أداء الواجب، وهذه أولى المراتب، ولهذه المرتبة فوائد: الأولى: تطهير المال عن الأوساخ، الثانية: تطهير النفس عن صفة البخل، والثالثة شكر النعمة المالية.

الأدب الثاني: التعجيل عند حلول الوقت إظهاراً للرغبة في الامتثال، وتعجيلاً لمسرة قلوب الفقراء.

الأدب الثالث: الإسرار فإن ذلك أبعد من السمعة والرياء.

الأدب الرابع: أن يقصد اقتداء الناس عند الإظهار، ويتحفظ من الرياء مهما قدِر اللهم إلا أن يتأذى الفقير بهتك سره.
الأدب الخامس: أن لا يفسد صدقته بالمن والأذى.
الأدب السادس: أن يستصغر العطية وإلا دخَلَه العُجْب.
الأدب السابع: أن ينتقي من ماله أجوده وأحبه إليه وأطيبه وأحلَّه.

الأدب الثامن: أن يطلب لصدقته الأتقياء وهم ستة: المتجردون للآخرة، والعلماء إذا صحت نياتهم في العلم، والصادق في تقواه، والفقراء الساترون لفقرهم، وأهل العائلة المحبوسون بمرض أو دين، والأقارب وذوي الأرحام)[17].

أما في عبادة الصلاة فقد ذكر ابن قيم الجوزية المعاني الأخلاقية التي تربي النفوس من خلالها قائلاً: (الصلاة مجلبة للرزق، حافظة للصحة، دافعة للأذى، طاردة للأدواء، مقوية للقلب، مبيضة للوجه، مفرحة للنفس، مذهبة للكسل، منشطة للقلب، حافظة للنعمة، دافعة للنقمة، جالبة للبركة، مبعدة للشيطان، مقربة من الرحمان)[18].

قال الشيخ عبد الله دراز: (إن الشعيرة الأولى من شعائر الإيمان، والخصلة الأولى من خصال المؤمنين، ليست هي أداء الصلاة بإطلاق، ولكنها هي أداؤها على وجه الكمال والاعتدال، ثم على وجه المواظبة والدوام)[19]، كما بين الشيخ أن تحقيق الكمال في الصلاة لا يكون إلا بشرطين: (الشرط الأول: خشوع القلب فيها لله، تعظيماً وتوقيراً، وتطامن الجوارح فيها سكينة ووقاراً.

الشرط الثاني: مسايرة الفهم والفكر لما يدور في تضاعيفها من القول والعمل، ومطاردة الخواطر والشواغل التي تلم بقلب المصلي فتلهيه عن تدبر أقواله وأفعاله فترة يسيرة من الزمن)[20].

لقد أبدع الشيخ في بيان النواحي الأخلاقية في الصلاة، لكنه استرسل في بيان الجوانب الأخلاقية لأداء الصلاة على وجه المواظبة ذاكراً لذلك شرطين: (الشرط الأول: الحذر من تركها والانقطاع عنها جملة. والشرط الثاني: المحافظة على مواقيتها، وعدم تجميع بعضها إلى بعض، في غير رخصة ولا ضرورة)[21]، كما ذكر أن الخصلة الثانية من خصال المؤمنين هي الإعراض عن اللغو، وبعد فراغه من الحديث عن ذلك محيطاً بكل متعلقاته ومخاطره بيَّن الصلة المعنوية، والعلاقة التربوية بين الخشوع في الصلاة وبين الإعراض عن اللغو قائلاً إن بينهما: (رباطاً نفسانياً وتسلسلاً طبيعياً، تتولد أخراهما عن أولاهما؛ كما تتولد الثمرة عن الشجرة)[22] وهو يقصد بهذا أن الصلاة: (تدريب عملي على التعلق بالمثل العليا، والترفع عن الخطط الدنيا)[23]، وأن سر العلاقة بينهما أنه: (ترقٍّ من الفضيلة الروحية إلى ثمرتها الخلقية العملية)[24].

والحق أن أصل العبادة – أي عبادة – نفسه، قائم على أساس خلقي، هو الاعتراف بالفضل والنعمة وشكـرِ المنعم المتفضل، وعلى أساس: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[25]؛ أي (هل جزاء من أحسنت عليه في الأزل إلا حفظ الإحسان عليه في الأبد)[26] بإدخاله جنة الفردوس، فخلق الشكر من خلال ممارسة العبادات والطاعات يؤكد أن العبادات في أساسها وجوهرها، إنما هي أخلاق وأفعال أخلاقية.

إن من أكثر ما يؤكد العلاقة التكاملية بين العبادات والأخلاق أن الله سبحانه جعل "حسن الخلق" نفسه عبادة، قال صلى الله عليه وسلم: "خيركم إسلاماً، أحاسنكم أخلاقاً، إذا فقهوا"، وفي رواية: "حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال حدثني شقيق عن مسروق قال كنا جلوسا مع عبد الله بن عمرو يحدثنا إذ قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشا، وإنه كان يقول إن خياركم أحاسنكم أخلاقا"[27]، فلا يوجد في الإسلام عمل واحد يمكن أن يخرج عن دائرة الأخلاق، فالصلاة والصيام والزكاة والحج كلها لها ضوابط أخلاقية، وأبعاد تربوية كما سبق بيانه.

بعد هذا التقليب والتنقيب في باب العبادات بهدف إبراز المقاصد الأخلاقية فيها، من الجدير بالذكر في هذا السياق أن العقوبات والحدود أو بتعبير آخر (الجزاءات) كذلك لها دور محوري في بناء الجانب الأخلاقي، وهي أنواعٌ: منها الجزاء الوجداني، والطبيعي، والاجتماعي، والجزاء الإلهي وهو المراد ذكره؛ لأن الوعد والجزاء من الله سبحانه وتعالى لإثابة المحسن، وعقاب المسيء؛ سواء كان في الدنيا أو الآخرة له اعتبار خاص بسبب مصدره ومنبعه الديني من جهة، ثم لكونه حق لا يتخلف، قال الله عز وجل: {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[28]، كما أنه سبحانه يضاعف الأجر للمحسنين: {مثَلُ الَّذين يُنفِقُون أَمْوَالَهُم في سَبِيل اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِل فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[29]، ولا يقتصر الجزاء على الآخرة فقط بل في الدنيا كذلك، قال عمرو عن هشيم: وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيروا عليه ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب"[30]، ولا يكون الجزاء الإلهي الدنيوي دائماً الهلاك، بل قد يكون مرضاً، وقد يكون عدم التوفيق والهداية إلى غير ذلك، والملاحظ أن الإسلام نوَّع في الجزاءات ما جعل الحث على التحلي بالأخلاق أمراً ظاهراً لا مراء فيه.

كما أن أهم ما يمكن الإشارة إليه في هذا السياق هو كون معظم العقوبات التي فيها نصوص قرآنية وأحاديث نبوية، والتي تعتبر مغلظة في التشريع الإسلامي، إنما تتعلق بالأخلاق وبحماية الأخلاق، فأساسها خلقي وهدفها الذي ترمي إليه خلقي.

إن عقوبة الزنا هي الجلد بدليل قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}[31]، فظاهر من الآية حد الزنا وهو الجلد، وكذا الحث على عدم الرأفة والرحمة بمن اقترفها، كما يلاحظ الحرص على جعل من قام بتلك الجريمة عبرة لغيره بإقامة الحد عليه على ملأٍ من الناس حتى يكون زاجراً للغير ومُبعداً لهم عنه.

إن مسوغات فرض حد الزنا مقنعة جداً؛ لأن فعلها يؤدي لمفاسد أخلاقية كثيرة، وأمثلة ذلك: (توريث العداوة والبغضاء، بل قد ينتج عنه القتل وسفك الدماء لأن أكثر البشر ذوي الأديان السماوية والوضعية يرونه محرماً وعاراً. كما أنه يؤدي إلى ضياع الأنساب...)[32].

أما عقوبة السرقة وهي القطع فذلك لحماية أموال الناس وممتلكاتهم من التعدي؛ لأن في ذلك ردعاً لكل من قد تسوِّل له نفسه أخذ مال الغير لما في ذلك من ظلم، وقد فرق رئيس قضاة المحكمة الشرعية الشيخ البنعلي بين نوعين من الظلم في السرقة، فقال: (السارق ظالم لنفسه قبل أن يظلم غيره.....، ولقد جنى على نفسه أولاً لأنه أصبح باعتياد السرقة لا يطرق باب الكسب الحلال.......، والسارق جنى على غيره بسلب ماله الذي تعب في تحصيله)[33]، فجاءت العقوبة على هذه الجريمة؛ لأنها منافية للفطرة السوية التي تستنفر الوقوع في الرذائل، سعياً للمحافظة على المبادئ الأخلاقية كالعدل واحترام حقوق الآخرين وممتلكاتهم.

وكذا الشأن في عقوبة القذف؛ فتعظيماً لكرامة الإنسان وسعياً لحفظها شرع حد القذف لما فيه من حماية للإنسان المقذوف من أذية الغير معنوياً، كيف لا وفيه تجريح للأعراض، وتلويث للسمعة، وإشاعة للسوء والشكوك في جو الأسر، وتلك حالات تهدد البيوت بالانهيار، بل إن العقوبة جاءت من جنس الفعل، إذ بالإضافة للجلد يعاقب القاذف معنوياً أيضاً برد شهادته وتسجيل الفسق عليه حتى ينزجر عن رذائل الأعمال، ويتربى من خلال هذه العقوبة على التحلي بفضائل الأعمال كالستر وحفظ اللسان عملاً بالحديث، حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"[34]، ويعمل على ألا يكون من البُغضاء عند الله عملاً بالحديث، حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مملك عن أم الدرداء عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء"[35].

وأما أول جوهر أوجده الله تعالى، وأشرفه، فهو العقل، والذي قال فيه الحكماء: (من لم يكن عقله أغلب خصال الخير عليه كان حتفه في أغلب خصال الشر عليه)[36]. وحد شرب الخمر شرع لأنه كذلك مما يتنافى مع فضائل الأخلاق، وبيان ذلك أن سلب العقل بشرب الخمر يُعرض الإنسان للعربدة والتعدي على حرمات الناس، ويحطم القوى، ويضر بالنفس والأخلاق والعقل والجسم، ذلك أن العقل هو الذي يضمن سلامة الفكر ويعقل السلوكيات ويوجهها نحو الخير.

لكن لما كانت العلاقة تفاعلية بين الأخلاق والتشريع، لم يصح إبرازها في جانب العبادات والجزاءات وحسب، وإنما كان لا بد من بيان أهميتها البالغة وتأثيرها القوي في مجال القضاء، فمعلوم أنه كلما ازداد وعينا بأهمية الأخلاق في حياتنا الدنيوية والأخروية كلما ازداد تهافتنا عليها أكثر، وما توَسُّع المؤسسات القضائية والمحاكم إلا بسبب البعد عن الأخلاق، وبالتالي فإن قربنا منها سيقلل الحاجة إلى القوانين والأحكام القضائية والتدابير السلطانية.

إن القرب من الأخلاق الحميدة والتحلي بها مرهون بصحوة الضمير[37] الإنساني واستحضاره لمعاني الثواب والعقاب في الشريعة الإسلامية، قال زكي مبارك مبيناً أن للأخلاق تأثيراً في صحوة الضمير: (لا يصح لنا أن ننسى أن هناك أسباباً لنشوء الضمير، فالفلسفة توجِد لدارسها نوعاً من الشعور بالمسؤولية إزاء بعض الجوانب، والأخلاق توجد للباحث فيها نوعاً من إدراك الواجب، والشريعة كذلك تورث المتدين بها نوعاً من الوجدان)[38]، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا ساءتك سيئتك، وسرتك حسنتك فأنت مؤمن"[39]؛ وفي هذا الحديث إشارة إلى أهمية صحوة الضمير الإنساني، والوازع الديني في تخليق السلوكيات وترشيدها، ما يقوي تأثيرها ويضعف نِسب المنازعات والخصومات، ويقلل الانحرافات والمظالم بين الناس، فإذا قيل إن فطرة الإنسان تميل به أحياناً نحو الشرور، قلنا إن الإسلام حث على الدعاء ومجاهدة النفس وجعل لذلك الثواب والأجر، كما أن ما يقع استثناءً يمكن معالجته بيسر دون الحاجة إلى الاحتكام للقضاة.

أما في الحالات التي يتم فيها الاحتكام للقضاة، فيبقى الاحتكام المصحوب بالحد الأدنى من الأخلاق أفضل وأنقى من نقيضه، وهو التسلح بالرذائل والاستعداد لأذية الغير بالتزوير والاتهام الكاذب...، ولهذا وردت نصوص كثيرة في مدح كل من يتحلى بالصفات الحميدة وذم كل من يتخلى عنها.

فالأصل في الأخلاق أن جوهرها واستمرارها يعتمدان أساساً على الالتزام الذاتي، بصحوة الوازع الديني، المعزز بالتوعية والتربية، والمحصَّن باليقظة والحماية الاجتماعية. ولكن عند الضرورة - وفي حدود معينة - يُؤتَى بالوازع السلطاني، وتتدخل التدابير التشريعية والقضائية الإلزامية، عملاً بقاعدة (تُحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من فجور)، وقاعدة (إن الله لَيَزَعُ بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، وهما قاعدتان مرويتان عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.

إلا أن الواقع المعاصر أصبح غير هذا، حيث طغت وغلبت المظالم بين بني البشر أنفسهم وبينهم وبين ما يحيط بهم في العالم الخارجي ما يؤكد وجود نظرية "الأزمة الأخلاقية" التي شغلت المجتمعات في السنوات الأخيرة، فلا بد من إيجاد سبل التدبير الإلزامي وفرض العقوبات الزجرية، لحماية الأخلاق والقيم العليا في المجتمع، وبابُ التعازير هو أحد الأبواب التي تسمح بمعالجة هذا الأمر.

 

 قائمة المصادر والمراجع:

1)    القرآن الكريم.

1) القرآن الكريم.
2) محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، بيروت، دار الكتاب العربي، 1425-2004، الطبعة 1، تحقيق وتخريج أحمد زهوة، وأحمد عناية.
3) أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، بيروت، دار صادر.
4) أبو داود سليمان ابن الأشعث السجستاني الأزدي، سنن أبي داود، دار الفكر، مراجعة وضبط وتعليق: محمد محي الدين عبد الحميد.
5) عبد الملك ابن هشام، السيرة النبوية، بيروت، دار الجيل،  1411، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد.
6) محمد بن عبد الله أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين الكتاب، بيروت، دار الكتب العلمية، 1411 – 1990، الطبعة الأولى، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا.
7) الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، بيروت، دار الفكر، 1412 هـ، الموافق 1992 م، تحرير الحافظين: العراقي، وابن حجر.
8) أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، دار الكتب العلمية، 1419هـ 1989م، الطبعة الأولى.
9) شهاب الدين البوصيرى، مصباح الزجاجة، بيروت، دار الجنان.
10) محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، بيروت، دار الكتاب العربي، 1393هـ/1973م، الطبعة الثانية.
11) أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، دار طيبة، 1420هـ - 1999 م تحقيق سامي بن محمد سلامة، الطبعة الثانية.
12) شمس الدين القرطبي تحقيق هشام سمير البخاري، الجامع لأحكام القرآن، الرياض، دار عالم الكتب، 1423 هـ/ 2003 م.
13) محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله، زاد المعاد في هدي خير العباد، بيروت، مؤسسة الرسالة، مكتبة المنار الإسلامية، 1407 – 1986، الطبعة الرابعة عشر، تحقيق شعيب الأرناؤوط - عبد القادر الأرناؤوط.
14) محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، مشكاة المصابيح، (بيروت، المكتب الإسلامي، 1405 – 1985) الطبعة الثالثة، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني.
15) محمد ناصر الدين الألباني، صحيح الأدب المفرد للإمام البخاري، (دار الصدّيق، 1421هـ ) الطبعة الأولى.
16) جمال نصار، مكانة الأخلاق في الفكر الإسلامي، مصر: دار الوفاء، 2004م- 1425هـ، الطبعة الأولى.
17) محمد عبد الله دراز، دستور الأخلاق في القرآن، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1400-1980، الطبعة الثالثة، تحقيق عبد الصبور شاهين، مراجعة محمد بدوي.
18) أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد الغرناطي الشاطبي، الاعتصام، دار ابن عفان، 1412 \1992م.
19) أحمد بن علي أبو بكر الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، بيروت، دار الكتب العلمية.
20) محمد عبد الله دراز، من خلق القرآن، قطر، إدارة الشؤون الدينية، 1399-1979، تحقيق عبد الله إبراهيم الأنصاري.
21) أحمد بن حجر آل بوطامي البنعلي، تطهير المجتمعات من أرجاس الموبقات، قطر، 1407-1987، الطبعة الثانية.
22) زكي مبارك، الأخلاق عند الغزالي، (بيروت، دار الجيل، 1408-1988) الطبعة الأولى.
23) عبد الإله ميقاتي، مدخل إلى فقه النعمة، (بيروت، دار الكتب العلمية، 1431-2010) الطبعة الثانية.
24) أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل المعروف بالراغب الأصفهاني، (القاهرة، دار الصحوة، 1405-1985) الطبعة الأولى، تحقيق ودراسة أبو اليزيد العجمي.

[1]جمال نصار، مكانة الأخلاق في الفكر الإسلامي، (مصر، دار الوفاء، 2004م- 1425هـ) الطبعة الأولى، ص 20.[2]سورة المدثر، 3.

[3]سورة المدثر، 4.

[4]سورة الأعراف، 26.

[5] محمد عبد الله دراز، من خلق القرآن، (قطر، إدارة الشؤون الدينية، 1399-1979) تحقيق عبد الله إبراهيم الأنصاري، ص 15-16.

[6] المرجع نفسه، ص 16.

[7] المرجع نفسه، ص 17.

[8]محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، (بيروت، دار الكتاب العربي، 1425-2004) الطبعة 1، تحقيق وتخريج أحمد زهوة، وأحمد عناية، كتاب بدء الوحي، الباب 6، ص 13-14.

[9]نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، (بيروت، دار الفكر، 1412 هـ) الجزء السادس، ص 24.

[10]صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم، ص 379.

[11]محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى، سنن الترمذي، كتاب الصوم عن رسول الله، باب ما جاء في فضل الصوم، الجزء الثالث، ص 234.

[12]فتح الباري لابن حجر، الجزء 6، ص 129.

[13]سورة البقرة، 197.

[14]تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، (دار طيبة، 1420هـ - 1999 م) تحقيق سامي بن محمد سلامة، الطبعة الثانية، الجزء 1، ص 544.

[15]نفسه، 544.

[16]نفسه، 544.

[17]موسوعة مصطلحات أبجد العلوم، محمد بن صديق بن حسن القنوجي، (بيروت، مكتبة لبنان ناشرون، 2001) مراجعة د. رفيق العجم، تحقيق ونقل النص الفارسي د. عبد الله الخالدي، الطبعة 1، ص 387-388.

[18]محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله، زاد المعاد في هدي خير العباد، (بيروت، مؤسسة الرسالة، مكتبة المنار الإسلامية، 1407 – 1986) الطبعة الرابعة عشر، تحقيق شعيب الأرناؤوط - عبد القادر الأرناؤوط ، الجزء الرابع، ص 304.

[19]خلق القرآن، عبد الله دراز، مرجع سابق، ص 149.

[20]المرجع نفسه، ص 149-150.

[21]المرجع نفسه، ص 150.

[22]المرجع نفسه، ص 158.

[23]المرجع نفسه، ص 159.

[24]المرجع نفسه، ص 160.

[25]الرحمان، 60-61.

[26]الجامع لأحكام القرآن، شمس الدين القرطبي تحقيق هشام سمير البخاري، (الرياض، دار عالم الكتب، 1423 هـ/ 2003 م) الجزء 17، ص 183.

[27]صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء، وما يكره من البخل، ص 1238.

[28]الروم، 6.

[29]البقرة، 261.

[30]أبو داود سليمان ابن الأشعث السجستاني الأزدي، سنن أبي داود، (دار الفكر) مراجعة وضبط وتعليق: محمد محي الدين عبد الحميد، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، ج 4، ص 122.

[31]النور، 2.

[32]أحمد بن حجر آل بوطامي البنعلي، تطهير المجتمعات من أرجاس الموبقات، (قطر، 1407-1987) الطبعة الثانية، ص 144.

[33]المرجع نفسه، ص 167.

[34]سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في حق الجوار، الجزء الرابع، ص 339.

[35]محمد ناصر الدين الألباني، صحيح الأدب المفرد للإمام البخاري، (دار الصدّيق، 1421هـ ) الطبعة الأولى، ص 191.

[36]أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل المعروف بالراغب الأصفهاني، (القاهرة، دار الصحوة، 1405-1985) الطبعة الأولى، تحقيق ودراسة أبو اليزيد العجمي، ص 168.

[37]الضمير كما عرفه زكي مبارك هو: "صوت ينبعث من أعماق الصدور، آمرا بالخير، أو ناهياً عن الشر، وإن لم ترج مثوبته، أو تخش عقوبته"، زكي مبارك، الأخلاق عند الغزالي، (بيروت، دار الجيل، 1408-1988) الطبعة الأولى، ص 140.

[38]الأخلاق عند الغزالي، المرجع السابق، ص 140.

[39]محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، مشكاة المصابيح، (بيروت، المكتب الإسلامي، 1405 – 1985) الطبعة الثالثة، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني.

Post your Comments

Your email address will not be published*

Add new comment

Restricted HTML

  • Allowed HTML tags: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • Lines and paragraphs break automatically.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.