د. عصمت محمود أحمد سليمان

عصمت محمود أحمد سليمان*

 

[تم تقديم هذه الورقة في المؤتمر الدولي السابع لمركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق - 23 مارس 2019]

 

مقدمة

يُنظر إلى قضية العدالة الاجتماعية بحسبانها واحدة من القضايا الحاضرة في دائرة البحث والمسعى الإنساني على مر الحقب، فلم تبارح محل القلب من دائرة النظر والفكر الإنساني منذ بواكيره، لا سيما وقد حفل التراث الديني والإنساني في مساراته المختلفة بتواصل جلي مع قضية العدالة الاجتماعية؛ التي مثلت القضية المركزية والباعث لسائر الثورات والتحولات الاجتماعية الكبرى.

لذا ما فتيء انشغال الفلاسفة والمفكرون في كل عصر وزمان بمحاولة تقديم أطروحات فكرية حول العدالة الاجتماعية سعياً لاستشراف آفاق تلك العدالة؛ وصولاً لإجاباتٍ عن سائر الأسئلة المتعلقة بقضاياها المتشابكة والمعقدة، فلئن بدأ أمر استخلاص المفهومات الكلية لقضايا العدالة الاجتماعية ميسوراً للوهلة الأولى؛ إلا أن الأمر سرعان ما يزداد تعقيداً كلما مضينا أشواطاً أعمق وأبعد في تناول تجليات العدالة الاجتماعية على سائر مساراتها الاقتصادية والقانونية والسياسية ونحو ذلك.

طائفة من العوامل تضيف قدراً من التعقيد حول المفهومات والمبادئ المؤسسة لقضية العدالة الاجتماعية، فهي تظل متعددة المنابع والروافد والحقول ومظان التأثر والتأثير، وثمة تعدد فيما يلي الروافد والمنابع الموصولة بالمؤثرات والمرجعية باختلاف الشرائع والأديان والمدارس الفلسفية، مما يفضي إلى القول بأن الأمر موصول بتباين المقاربات الفلسفية والمعتقدات الدينية والمبادئ الأخلاقية. 

هذه الورقة معنية بصورة مباشرة بمحاولة المساهمة في التأسيس الفلسفي للمفاهيم الكلية الجوهرية لفكرة العدالة الاجتماعية وذلك بغية التوافق على مبادئ كلية للعدالة التي نصبو إليها والتخفيف من الظلم والفقر والحرمان على ضوء أهم الاتجاهات الفلسفية الحديثة والمعاصرة حيال العدالة الاجتماعية.

تُعرض الورقة للأسس والمرتكزات لاتجاهات العدالة في الفكر الغربي مع بذل مسعى للنظر في نصوص الوحي القرآني تأملاً وتفكراً بغية الوصول إلى خلاصات ومقاربات حول قضية العدالة الاجتماعية وفق هوادي القرآن الكريم.

المفهومات المؤسِسة للعدالة الاجتماعية

استهلالاً وفق مقصد افتتاحي لتقديم تأسيسٍ فلسفي لقضية العدالة الاجتماعية؛ هذه إشارات إلى طائفة من المفهومات المؤسِسة للاتجاهات المختلفة حول قضية العدالة الاجتماعية، لعل أرفق المداخل هو بسط الدلالة المعجمية لمفردة "عَدْل" في اللسان العربي.

  • العَدْلُ في اللسان العربي

تعددتْ الدلالات المعجمية لمفردة "العدل" في اللسان العربي، وهي على ذلك يمكن حصرها بحيث لا تتجاوز ثلاث حقول دلالية هي: المِثل والتسوية والاستقامة، لتصبح العَدْالة في أجلى معانيها العامة هي إعطاء كل ذي حق حقه، أو الحكم والقضاء الحق ضد الظلم، أو ما قام في النفس أنه مستقيم وهو ضد الجور.[1]

يقارب الراغب الأصفهاني بين دلالتيَّ العَدْل والعِدْل؛ مشيراً إلى أن العِدْل والعَديل يُستعمل فيما يُدرك بالحاسة كالموزونات والمعدودات والمكيلات؛ بينما العَدْل فيما يُدرك بالبصيرة وفق مقتضى الحكمة كالأحكام نحو قوله تعالى ﴿أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا ﴾.[2]

والعَدْلُ عنده على وجهين: الأول مطلقٌ يقتضي العقل حُسنه، ولا يطرأُ عليه النسخ بحالٍ أو حين، ولا يُوصف بالاعتداءِ بوجهٍ، نحو الإحسان إلى من أحسن إليك وكفُ الأذى عمن كفَ أذاه عنك.  الثاني عَدْلٌ يُعرف كونه عدلاً بالشرع، وبمكن أن يكون منسوخاً كالقصاص وأُروش الجنايات، ومنه قوله تعالى ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾[3] وقوله تعالى: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾[4] فسُمِّيَ اعتداءً وسيئة، وهذا النحو هو المعنيُ بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾[5]، فالعَدْلُ هو المساواةُ في المكافأةِ إن خيراً فخير، وإن شرٌ فشر، والإحسانُ أن يُقابل الخيرُ بأكثر منه، والشرُ بأقل منه[6].      

هذا الاستهلال المعجمي يكشف ابتداءً السعة الدلالية الرحبة لكلمة " العَدْل " في اللسان العربي ومراوحتها بين معاني كلية ثلاثة هي المِثل والتسوية والاستقامة، كما إنه يمضي باتجاه تأكيد قيومية العَدْل المطلق وفق مقتضى حاكمية العقل والبصيرة الإنسانية.

  • مفهوم العدالة الاجتماعية

يجيء استعمال مفهوم العدالة الاجتماعية باضطراد وفق سياقات متباينة، ويُراد به جملة معاني تتسع أو تضيق في مدلولاتها عند وصلها بحقول الاجتماع الإنساني المختلفة، بيد أننا نتبنى تعريف توجيهي كلي يتسم بالشمول والسعة ليستوعب الأبعاد الرحبة للعدالة الاجتماعية، فمفهوم العدالة الاجتماعية يعني تعميماً "حالة عمادها ومحورها إقامة العدل في المجتمع وانتفاء الظلم فيه."

إقامة العدل الاجتماعي تستلزم توطيد الكرامة الإنسانية والوفاء بالحقوق وبسط الحريات وتكافؤ الفرص وتوسيع قاعدة المشاركة الاجتماعية؛ هذا على صعيد الايجاب أما على جهة السلب فإن انتفاء الظلم الاجتماعي يقتضي ضرورة نفي الاستغلال بكافة جذوره وضروبه والقهر والفقر والحرمان والإقصاء والتبعية والتهميش الاجتماعي.

"عندما تتحقق تلك الحالة في المجتمع يوصف بأنه مجتمع عادل، فلا يتعرض للظلم أو القهر من داخله أو من خارجه، ويقوم على مبادئ المساواة التي هي في الواقع جوهر "المواطنة"، ومبادئ التضامن الاجتماعي، واحترام حقوق الإنسان وحرياته وكرامته."[7]

بذات القدر ينبغي استحضار أن توجيه النظر في ماهية المجتمع العدالة الاجتماعية كما يشير إيمانؤيل كانط ينبغي ألا ينصب باتجاه توفير الرفاه المادي فحسب، فالمجتمع الذي تسود فيه العدالة يكون هدفه ونزعته بالأساس الحرص على كرامة الإنسانية والحفاظ على علاقات اجتماعية بين الأفراد تقوم على الاحترام المتبادل والتعامل بالمثل بين مواطنين أحرار ومتساوين.[8]

الأُسس والمرتكزات الفلسفية لقضية العدالة الاجتماعية

على نحوٍ دائم يبدو الأيسر تجلية مفهوم "العدالة الاجتماعية" بالإحالة إلى المفهوم النقيض أي "الظلم الاجتماعي"، وهو سياق يخلص بنا إلى أن جوهر مفهوم العدالة الاجتماعية يتجلى بالدرجة الأولى على نحوٍ أكثر ظهوراً بحسبانه مفهوماً أخلاقياً وحقوقياً، بالنظر لكون فكرة "الظلم" تحيل مباشرة وبصورة جلية باتجاه حقليَّ القيم والحقوق.

لذا فإن قضية العدالة لا تنفك موصولة بصورة وثيقة بالمنظومة القيمية وبفكرة الحق وتجذرها، ومن ثم لا يمكن الحديث عن العدالة الاجتماعية بمعزل عن منظومة قيمة الحق والقيم الإنسانية؛ نحو الكرامة الإنسانية والحرية والمساواة والانصاف، فهذه القيم تمثل منظومة قيمية متكاملة بحيث لا يمكن الإشارة إلى أحد هذه العناصر في عزلة عن سائر مكونات هذه المنظومة القيمية.

  • مبدأ الحرية الإنسانية

يتصل النظر حول مسألة العدالة الاجتماعية بالتأمل في الكرامة الإنسانية واحترام حقوقه وصيانة حريته، لذا تشغل مسألة الحرية مكانة جوهرية ومحورية في فكرة العدالة الاجتماعية، ومن المفكرين الذين تحتل فكرة الحرية الإنسانية موقعاً جوهرياً في نظرته عن العدالة يجيء إمانويل كانط.

إذ يرى أن حقوق البشر تستمد جذورها من الحق الأصلي في الحرية، وهو حق يعود لكل البشر بفضل الميزة التي يتمتعون بها وهي الإنسانية، "فالأساس الصحيح للتفكير في الأخلاق والعدالة هو الحرية وليس السعادة" [9]، وهو ذات المنحى الفلسفي لدي جون رولز " حرية البشر وليست سعادتهم هي التي ينبغي أن تحتل مكان الصدارة من أفكارنا في العدالة."[10]

يخلص بنا هذا المنحى الفلسفي التأسيسي لاعتبار أن فكرة العدالة الاجتماعية التي لا توفر ما يكفي من الضمان للحرية الإنسانية لا بد أن يكون مصيرها التصدع والزوال، فالحق في الحرية يُعد الركيزة الأولى للعدالة الاجتماعية وفق جون رولز باعتبار " أن لكل فرد حقاً متساوياً في أوسع حرية أساسية ممكنة ومتوافقة مع حرية مناظرة للآخرين"، وهذا المبدأ حيال الحرية الإنسانية ليس محض تقرير تجريدي بل يرتبط بمناقشة مفاهيم التنمية البشرية التي تقتضي تحقيق مراميها مفهومات مثل تحقيق الحريات وتنمية القدرات الأساسية وتمكين المجموعات المحرومة والمظلومة على النحو الذي حملته بجلاء أطروحة أمارتيا صن.[11]

  • مبدأ المساواة والإخاء الإنساني

غاية  العدالة الاجتماعية وفي القلب منها نجد فكرة المساواة والإخاء الإنساني، وهي فكرة لا يمكن تجاوز أبعادها الفلسفية والاجتماعية على نحو يستبعد تلازم واقتران حقيقة العدالة الاجتماعية ومبدأ المساواة، " ففكرتيَّ المساواة وعدم المساواة ليستا مجرد أفكار تجريدية يمكن تجاهلها بأمان وثقة، حتى إذا فضل المرء ألا يفكر فيها، فإنها ذات صلة بتاريخ عصرنا والظروف التي يعيش فيها كل منا، والتي تضطرنا إلى التفكير بشأنها."[12]

ظلت فكرة عدم المساواة حاضرة تاريخيا لدي طائفة من الاتجاهات الفلسفية ذات الأثر الممتد في التاريخ الإنساني؛ فهذا أفلاطون كان يرى أن البشر غير متساوين في الجوهر، بل ثمة قلة من البشر تقف فوق الآخرين جميعاً في قدرتهم على الفهم الفلسفي الماثل في إدراك ومعرفة الخير، وعلى نهجه سار تلميذه ارسطو الذي رأى عدم المساواة بين البشر، وأن ثمة اختلافات جذرية تفصل بين البشر، وهو ذات المنحى الذي اختطه لاحقاً نيتشه الذي "هاجم فكرة المساواة التي رآها إحدى حيل التي تسحق بها الجماهير بخستها وحقدها العظمة البشرية."[13]

أحدث المفكرون المسيحيون تحولاً جذرياً في اتجاه التناول لمسألة المساواة بين البشر ودحض افتراض التفاوت الطبيعي، " عندما أصروا على تغيير موضوع الخطاب نفسه، إذ تحول من القدرات المتباينة للبشر إلى قيمتهم المتساوية بالفعل أمام الرب."[14]

هذا يعزز خلوصنا إلى أن فكرة المساواة فكرة طارئة على الفكر الغربي، فقد تنامت جذورها في العقل الغربي وتعمقت برعاية  التعاليم المسيحية، وكان السمو فوق الوجود يعني بالنسبة للمسيحين الله، والله رحيم حيال كل الأفراد، وتأثير ذلك نجده بوضوح لدي جون لوك في تصوره بأن الأشخاص متساوين فقط في الحقوق التي يتلقونها من الله، ويتجلى أيضاً لدي توماس جيفرسون الذي رأى أن البشر خلقوا متساوين، وأنهم منحوا من خالقهم حقوقاً لا يمكن التصرف فيها، وبذلك غدت هذه الفكرة ذات القداسة جوهر فكرة المساواة.[15]

 

يقود مبدأ المساواة والإخاء الإنساني إلى تناول طائفة من القضايا الموصولة به؛ نحو السؤال حول ماهية وكنه المراد تحقيقاً بالمساواة؛ والإطلاق أم النسبية في المساواة؛ والبحث في جذور اللامساواة والتفاوت في المجتمع الإنساني، كل تلك الإشكاليات ونحوها أفضت إلى طائفة من النظريات إلى ترسيخ مفاهيم اجتماعية وسياسية رفدت الفكر الاجتماعي والسياسي بطائفة من الاتجاهات والمدارس المتباينة في رؤاها وأطروحاتها حول قضية العدالة الاجتماعية.

  • اتصال الفقر بانخرام مبدأ العدالة الاجتماعية

الفقر واللامساواة يتداخلان على نحو مستدام في المجتمعات الإنسانية، بحيث يصدق القول بأن الفقر يظل لزيما لحالة انخرام العدالة الاجتماعية، ويُعرف الفقر بوصفه حالة اجتماعية وفق طائفة من التعريفات تجيء متوافقة للمرجعية الفكرية المؤسسة عليها، بيد أن المنحى العام لتعريف الفقر يشير إلى معطيات كلية بحيث يتمظهر الفقر منطوياً على حالة الإفتقار إلى الموارد اللازمة لتحقيق مستوى معيشة مقبول من خلال مستويات إنفاق فعلية؛ ويلازم الفقر الحرمان الناجم عن الافتقار إلى الضروريات والعجز عن المشاركة الفعالة في الأنشطة الحياتية.[16]

إن الفقر بصفة عامة يظل ملازماً ومرتبطاً بحالة اللامساواة، بحيث يمكن النظر إليهما بحسبانهما جزئين مترابطين لمشكلة واحدة، وهذا يقود إلى مناقشات كثيفة أثيرت حول ارتباط الفقر بأبعاد مختلفة من اللامساواة والتمييز والتهميش الاجتماعيين.

العدالة الاجتماعية في سياق الفكر الغربي الحديث والمعاصر

عمد أفلاطون في الجمهورية إلى ترسيخ فكرتين رئيسيتين مبتكرتين حيال قضية العدالة؛ الأولى تخليه عن مفهوم التعامل بالمثل بحسبانها مرجعية للتفكير حول العدالة، والثانية تعزيزه فكرة خضوع بيئة أي مجتمع في حد ذاتها للتمحيص والانتقاد وفقاً لمعايير مستمدة من تصور معين للعدالة.[17]

وفق هذه الرؤية انتهى أفلاطون إلى تقديم تصور فلسفي كلي حول العدالة مبني بصورة جوهرية على فكرة الغائية، بحيث يغدو جوهر العدالة تحقيق الانسجام والتوافق مع الأهداف والغايات المحددة مسبقاً، وأياً ما يكن الأمر حيال تقييم تلك الأطروحة فإنها طبعت بموفور الأثر الجلي على اتجاهات التفكير اللاحقة حول العدالة.

على نحوٍ عام تتمحور قضية العدالة الاجتماعية في أطروحات الفلاسفة الغربيين حول قضايا رئيسة، وإذ يبدو متعسراً الاستفاضة في بيان أطروحة كل فيلسوف بعينه؛ لذا سنعمد لمحاولة الإحاطة العامة بتلك المسائل والقضايا التي شكلت جوهر اتجاهات الفكر الغربي الحديث والمعاصر حيال قضية العدالة الاجتماعية.

تأسست الاطروحات الفلسفية الغربية حول قضايا العدالة الاجتماعية وفق جذر رئيس يرى في " المؤسسات السياسية والتنظيمات الاجتماعية نواتج للعرف البشري وليس مصدرها الطبيعة، وأن تلك المؤسسات والتنظيمات مع توافر معرفة كافية يمكن تحسينها بجهود بشرية."[18]

ووفق هذا طرحت طائفة من الأفكار المؤسسة لقضية العدالة الاجتماعية منها: 

  • فكرة التعاقد الاجتماعي

يُنظر إلى فكرة التعاقد الاجتماعي السياسي بحسبانها عمدة التأسيس النظري لفكرة العدالة الاجتماعية في الفكر الغربي في حقبتيه الحديثة والمعاصرة، وهذا يقودنا لأن نجعل من نظريات العقد الاجتماعي السياسي محل إحاطة ودراسة، متناولين مراحل تطور هذه الفكرة المركزية لديَّ فلاسفة الغرب كتوماس هوبز ولوك وروسو وكانط وجون رولز وامارتا صن.

وضع هوبز الأساس الفلسفي لفكرة العقد الاجتماعي باعتبارها منهج أو طريقة تفكير لنشدان الاستقرار الاجتماعي السياسي، مستنداً في ذلك على تصوره لوضعية المجتمعات قبل التعاقد الاجتماعي[19]، وهو ما بات يعرف لاحقاً بــ "الحالة الأولى" وهي حالة أضحى لا ينظر إليها باعتبارها حقيقة تاريخية موضوعية؛ وإنما بحسبانها فكرة تجريدية افتراضية وظيفية لخدمة أغراض المنهج التعاقدي.

تقرر لدي هوبز أن الحالة الإنسانية الأولى هي حالة العدوان والفوضى العارمة حيث " الميل الطبيعي للناس لأن يضر كل منهم الأخر "حرب الكل ضد الكل" هذه الحالة تتطلب مبارحتها والانتقال منها تعاقد الأفراد ـ باعتبار النظر إليهم كرعايا لا مواطنين- على اسناد القوة والسلطة إلى حاكم يمنحونه حق تمثيلهم المطلق.

جوهر العقد الاجتماعي عند هوبز ومقتضاه كامن في أولوية الاستقرار والأمن على الحرية، لذا يقوم بعقد تسوية يتم بمقتضاها التنازل عن مصادر القوة وحصرها في الحاكم، لا يحدث ذلك بصورة طوعية ونتيجة الاحترام المتبادل بل كان الترهيب ضرورياً"[20]، وهذا بالضرورة يقود باتجاه انتفاء الحرية بعد أن وضعت في سياق بيني لوضعين متطرفين وبالتالي الانتهاء إلى إقرار حالة الاستبداد المطلق.

انطلق جون لوك انطلق من ذات النقطة التي بدأ منها هوبز حول العقد الاجتماعي أي "الحالة الأصلية"؛ إلا أنه على الرغم من وجود أوجه تشابه بينهما في تكييف تلك الحالة فثمة اختلاف عميق وله دلالته في رؤى كل منهما، فحالة الطبيعة عند لوك لا تتسم بالعنف مثلما نجد الحال عند هوبز.[21]

لهذا فإن هنالك من يرون أن لوك أحدث تطويراً على النظرية من ناحية أن الحكومة المدنية التي يقدمها ذات طابع مطلق أقل جداً من الحكومة المدنية التي يقدمها هوبز[22]، ليؤكد لوك على "الحرية الدستورية والعمل وفق مبدأ فصل السلطات وتوزيعها وموازنتها، لا كما ذهب هوبز في تركيز كل السلطة والقوة في شخص الحاكم."[23]

يؤسس جون لوك مفهوم العقد الاجتماعي وفق قاعدة دولة القانون "الدستور" إذ يلتزم كل فرد بتعاقده مع الآخرين على تأليف هيئة سياسية واحدة في ظل حكومة واحدة، الخضوع لقرارات الأكثرية، هذا مع اقرار مبدأ الفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتحديد صلاحيات ونطاق عمل كل منهما.

  • قضية الملكية والتملك

يمثل مبدأ الحرية في الملكية أو حرية التملك يمثل إحدى دعائم نظرية التعاقد الاجتماعي السياسي عند لوك الذي دعا إلى الحرية الفردية ودولة الحد الأدنى التي وجدت من أجل خدمة الأفراد ومصالحهم، فالدولة لم توجد إلا من أجل المحافظة على الملكية الفردية.

نجد روسو يشير ابتداءً إلى أن الحرية والمساوأة ظلتا حقان طبيعيان أصيلان تمتع بهما الإنسان في الحالة الأولى، وأن حالات اللامساوأة المرتبطة بالملكية تعد نتاج تراكمات للحالة المدنية اللاحقة، وجاء حدوثها على نحو اعتباطي وفق منطق الغلبة، وهذا ما أوجد بعد ذلك من إدعاءات حقوق ودعوات للحرية في التصرف في الملكية.

هذا الأمر الذي أكده روسو "باعتبار الملكية الخاصة بوصفها أصلاً اعتباطياً للتفاوت بين البشر، هو ما يقوده نحو تأكيد التنبه إلى دورها الأساس في المظالم بين البشر ونشؤ مؤسسات اجتماعية وسياسية تنحو نحو تكريس أوضاع اللامساوأة المتوارثة بين الأجيال، وبناء عليه فإن التفاوت عند روسو يعد بحد ذاته ظلماً يتعمق ويتسع بفعل تعاظم دور المؤسسات التي توفر أحوال تكريسه."[24]

فالملكية الخاصة كما يراها روسو " ليست طبيعية وهي باستمرار مصدر للتفاوت؛ وهي جذور السلطة في المجتمع المدني، ولا يمكن الفكاك منها في التأثير على تأسيس القوانين، وحتى في مجتمع لا يوجد فيه تطرف في الغنى والفقر، فإن التمييز يوجد ويكون الميل دائماً إلى تعاظم."[25]

  • قضايا الحقوق والحريات

كانت لأفكار كل من هوبر ولوك وروسو حول الدولة الدستورية والحقوق الطبيعية للفرد أكبر الأثر في تبلور وسيادة الفكر الليبرالي كتيار فلسفي طاغٍ انتظم العالم الغربي، وقد استندت الليبرالية على طائفة من الأسس المعرفية تمركزت بصورة محورية أصالة الفرد ومركزيته في سياق نظام سياسي واقتصادي قائم وفق قاعدة التعاقد الاجتماعي عبر موالاة طوعية.

مثَّل أعظم ما قدمه روسو للفكر السياسي المعاصر هو مقاربته لفكرة العدالة المؤسسة جذرياً على قيمتيَّ الحرية والمساواة بحسبانهما حقين إنسانيين طبيعيين أُنتهكا في ظل الاجتماع المدني، داعياً إلى التعاقد والتوافق على وضع دستوري يمنع تكريس مظاهر التفاوت المفضي لحالة التطرف في تراكم الثروة في أيدي القلة، مما يفقد الحرية معناها فتغدو صورية زائفة بالنسبة للفقراء وغير ذات قيد بالنسبة للأغنياء.

هذا المنحي الجذري عند روسو هو ما جعل الفلسفة الرولزية المعاصرة تتجه بصورة أساسية نحو معالجة قضية التفاوت والعدالة على مستوى البنية الأساسية بوصفها عدالة مؤسساتٍ يتم عبرها التخفيف من الظلم الحاصل بسبب الاعتباط الذي لا خلاق لنا بأسباب وجوده، وصولاً إلى ما سماه "اللا مساوأة المعتدلة" التي يحققها مبدأه المسمى مبدأ الفرق الرولزي.

عمدت الليبرالية لترسيخ مفهومات أساسية كمفهوم مركزية الفرد، ومفهوم أولوية الحريات الفردية نحو حرية الوعي والضمير، وحرية الاعتقاد والتعبير، ومفهوم حيادية الدولة تجاه القيم والمعتقدات، ومفهوم رفض ربط الحقوق الإنسانية بأي تصور مسبق للخير مما يسمح بمساحة أوفر للتعددية في المجتمع وتقبل سائر الأفكار والدوافع الفردية والجماعية داخل المجتمع.

الاتجاهات الرئيسة حيال قضية العدالة الاجتماعية في الفكر الغربي

بصفة عامة فقد أفضت النقاشات الفلسفية حول قضايا التعاقد الاجتماعي والمساواة والحرية والملكية التملك ونحوها؛ أفضت إلى بروز اتجاهين رئيسيين في الفكر الغربي في رؤاهما حيال قضية العدالة الاجتماعية، اتجاهان ما يزالان الأكثر حضوراً وتأثيراً في واقعنا المعاصر.

الاتجاه الأول يمثله منظور العدالة وفق مدرسة أخلاق المنفعة التي ترى في السعادة القيمة الأوحد الموجهة للسلوك البشري، منطلقة من فلسفة نفعية عواقبية لا تحفل إلا بالنتائج، مستندة على مبدأ المنفعة إعمالاً لمبدأ السعادة الأعظم. 

الاتجاه الثاني ينظر لقضية العدالة وفق مرجعية أخلاق الواجب الغائية عند كانط، وجوهر رؤيته حول مبدأ أولوية الحق على الخير، وبالتالي فقد أبرز قيم احترام الحقوق الفردية وتعظيم مصالح الفقراء وفق مقتضيات الحقوق الطبيعية، ورفض فرضية أن يكون تعزيز المتعة أو الارتقاء بالسعادة البشرية نافعاً في أي وقت كأساس لأفكار رصينة تطرح عن العدالة.

اعتبر كانط أن الحقيقة الجوهرية بالنسبة للبشر فيما يلي قضية العدالة اعتبارهم ذوات حرة وعاقلة ومسؤولة، وبذلك فقد نادى بأن الأساس الصحيح للتفكير في الأخلاق والعدالة هو الحرية وليس السعادة[26].

أثيرت كثير من الإشكالات الفلسفية حول اختلال مبادئ المساواة والحرية في سياق امتزاج الفكر الليبرالي مع أفكار المدرسة النفعية حول ما يجب أن يكون مقدماً وذا أولوية في سياق العدالة الاجتماعية؛ هل تكون الأولوية للحق "العدل" وفق أخلاق الواجب أم تكون الأولوية للخير " السعادة " كما تعبر عن ذلك النفعية؟

انتهت الرؤية الليبرالية التقليدية إلى الركون إلى التوجه النفعي حيال العدالة، وأضحى عماد تلك الرؤية لا يؤدى بالضرورة إلى عدم تدخل الدولة والمجتمع في حياة الأفراد والجماعات فحسب؛ بل ينبغي أن تنتهي حالة الدولة المثالية إلى حالة انتفاء قدرتها على التدخل على نحو أساسي، ووفق هذه الرؤية الليبرالية لم يَعد يُنظر للدولة كونها مجرد حارس ليلي أو شرطي سير.

أثار هذا المنحى طائفة من الأسئلة والاشكالات الفلسفية حول استيعاب الفكر الليبرالي لتقديس فكرة الحرية باعتبارها عدم تدخل الدولة والمجتمع على صعيد السياسة والاقتصاد والمجتمع والتأثير السلبي لذلك الموقف ذلك على قضية المساواة ومن ثم على قضية العدالة الاجتماعية على نحو عام.

كرس جون رولز حياته الفكرية لقضية العدالة الاجتماعية مؤسساً طرحاً ليبرالياً مستنداً على فلسفة أخلاق الواجب، مشدداً على تأكيد الحقوق والحريات، سعياً للوصول إلى حلول مثالية بشأن العدالة الاجتماعية باعتبارها طرحاً ليبرالياً اجتماعيا بهدف تجاوز أوجه قصور الرؤية النفعية ومحاولة تأسيس مبادئ العدالة الاجتماعية بوصفها مُشادة وفق مبادئ دستورية سياسية.

تمثل فكرتي الحالة الأصلية ومؤسسات المجتمع (البنية الأساسية) المنظم تنظيماً فعالاً بواسطة مفهوم عام للعدالة تمثلان البنية الأساسية لأطروحة رولز حول العدالة الاجتماعية، فثمة مجتمع تعاوني منصف "التعاون المستدام"، بجانب تربية مستدامة على المواطنة والولاء للمجتمع السياسي العادل وفق مقاربة سياسية أخلاقية، بحيث يمتلك المواطنين حساً فعالاً بالعدالة، فهم يعملون وفق مقتضياتها وإلزاماتها في المؤسسات والحياة العامة، ومن ثم يشترك اعضاؤه في توفير العدالة، ولا سيما الفقراء.

إن أكبر دور تلعبه هذه البنية الأساسية هو ضمان تحقيق العدالة الاجتماعية المتمثلة في الحقوق والحريات والفرص، الأمر الذي يجعل ظواهر اللامساواة مساهمة في الخير العام ومنفعة للأكثر فقراً، وفق صيغ معقولة متوافق عليها لتدخلٍ من قبل المؤسسات لا يكون على حساب حقوق وحريات أخرى، ليكون هدف التدخل موجه نحو منع التمركز المتطرف للثروة.

يولي رولز أهمية فائقة في أطروحته حول العدالة لمؤسسات المجتمع " البنية الأساسية " فهي تمثل عنده الموضوع الرئيس للعدالة التي ينشدها في مجتمع ديمقراطي، وهذه البنية تمتد آثار تلك البنية على أهداف المواطنين وطموحاتهم واخلاقهم ... وفرصهم وقدرتهم على الاستفادة منها.[27]

انسداد أفق العدالة الاجتماعية وفق الرؤى الغربية

لا يقتصر الإشكال الذي يواجه الفكر الغربي على صعيد العدالة الاجتماعية؛ وعلى نحو أخص الاتجاهات الليبرالية؛ على المستوى الفلسفي فحسب؛ بل إن الواقع البائس لتطبيق مبدأ عدم التدخل؛ أوجد موجة من الانتقادات الجادة والجذرية لمجمل المنظومة الليبرالية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي.

انتهى الكثيرون إلى التأكيد بأن ما انتجته الليبرالية الاقتصادية بناءاً على مبدأ عدم التدخل في النشاط الاقتصادي وتوزيع الثروة، كان الدافع المباشر لتقوية الجشعين من الأغنياء وإعطائهم هامشاً كبيراً من القدرة على حساب الفقراء وسلبهم مقومات ممارسة الحرية ذاتها وشروطها، حيث باتت الحرية مهددة بالخلو من روحها وقاصرة على الوفاء بجوهرها، في ظل استمرار الفرد مفقراً، الأمر الذي أبعد الليبرالية عن معناها الأصلي أي بصفتها حرية.

وفق الصورة القاتمة التي انتهت إليها الليبرالية النفعية المستندة إلى الحرية الاقتصادية المطلقة ونزع قدرة الدولة على التدخل؛ من حدوث مظالم اجتماعية متجسدة في البؤس والفقر المدقع، بدأت معه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية مفضوحة وعارية وعاجزة عن أمام التماسك في ظل أزمات الكساد الاقتصادي، مما جعل بقاء المنظومة الليبرالية على نحوٍ كليٍ مهددة في بقاءها أمام اكتواء الجميع لا الفقراء فحسب، جراء اتساع فجوة المظالم الاجتماعية التي أوجدتها الحرية الاقتصادية المطلقة التي أنتجت إلى جانب الثروة والظلم والتفاوتات الاجتماعية.  قاد ذلك إلى التفكير الجاد من قبل الكثيرين بحتمية التوجه نحو إعطاء الدولة هامشاً من التدخل، والعمل على تحويل جزء من الثروة من الأغنياء نحو الفقراء.

هذا التوجه المستحدث في ظل الفكر الليبرالي التقليدي أو ما بات يعرف بالليبرالية الاجتماعية المفضية إلى أدوار أوسع للدولة توفر نمط حياة آمن للجميع، وهو ما أدى إلى دور رعائي للدولة وبروز ما بات يعرف بــنموذج دولة الرعاية أو الدولة ذات الأدوار الأوسع.

ما من شك أن نموذج دولة الرعاية الاجتماعية رغم أنه مثل خطوة متقدمة باتجاه تلبية احتياجات الفقراء وتخفيف حدة مظالم وقسوة النظام الليبرالي النفعي؛ برغم احتفاء الكثيرين بهذا النموذج؛ بيد أنه لا ينبغي تجاهل حقيقة أن التوجه نحو نموذج دولة الرعاية جاء في إطار تدارك خطر الانزلاق نحو اضطراب اجتماعي كبير عبر سقوط المجتمعات الغربية في أتون الثورة على الأوضاع المجحفة والأكثر قسوة للرأسمالية[28]، كما ينبغي النظر إلى هذا باستصحاب ملاحظة بروز الموجة الشيوعية مما قاد حتماً لتقديم مساعي وتنازلات لصد تهديد الفكر الشيوعي.

إذن فالتطور في الفكر الليبرالي باتجاه دولة الرعاية أو الرفاه لم يكن نتيجة مراجعات أمينة وعميقة في جذور الرؤية الليبرالية تجاه قضية العدالة الاجتماعية، ولم يجيء بحسبانه تعبير صادق عن توجهات إنسانية طرأت على الليبرالية النفعية، أو استناداً إلى واعز أخلاقي واجبي، ولكن الانعطاف باتجاه دولة الرعاية ظل الدافع الرئيسي من وراءه دافعاً نفعياً براغماتياً.

لقد تولدت دولة الرعاية لحاجة ضرورية مرحلية بغية حل مشكلات النظام الرأسمالي وتجاوز أزماته، لهذا ربما كان الأليق الإشارة إلى أن الاتجاه نحو دولة الرعاية لم يكن إلا ضرباً من ضروب إدارة المخاطر والأزمات، حيث الجهود في مجال إدارة المخاطر تشكل في الحقيقة جزءاً أساسياً من الصورة التي أصبح عليها نظام الحكم.[29]

وفق هذا السياق فلا ينبغي النظر إلى تشريعات الضمان التأمين الاجتماعيين باعتبارها تعبران عن وعي اجتماعي حقيقي وأصيل داخل الليبرالية النفعية؛ اعترافاً واستدراكاً للمظالم الاجتماعية والبؤس الماحق الذي لحق بقطاعات واسعة من المجتمعات؛ بل لم يكن الأمر سوى منحى سياسي تسنده مرجعية فلسفية نفعية براغماتية، تحفل بمفهوم الفقر أكثر من احتفالها بالفقير نفسه، من حيث حاجاته والموارد اللازمة لإشباعها.

هوادي الخطاب القرآني حول العدالة الاجتماعية

تواتر حضور المسألة الاجتماعية في القرآن الكريم منذ بواكير عهد التنزل الأول، فقد تضمنت السور المكية محاور أربعة هي "التوحيد والنبوة والمعاد والمسألة الاجتماعية"، فسورة الليل التي تعد أول ما نزل من القرآن المكي تضمنت المسألة الاجتماعية حيث ذُكر الاحسان إلى الفقراء والمحتاجين، وأشارت لأول عبادة يقررها القرآن الكريم وهي عبادة ليست موجهة إلى الله؛ بل باتجاه فعل اجتماعي مقصده التخفيف من الفقر والحرمان، وهي التزكي، أي التطهر بأداء مسؤولية الأمانة التي جعلها الله في عنق الإنسان، مسؤولية الغنى والثروة، وذلك بالبذل والعطاء للفقراء والمحتاجين[30]، وهو ذات المسار القيمي الذي يترسخ مع سورة الماعون التي تحمل إشارة لطيفة إلى استلزام مراعاة المضامين الاجتماعية في العبادة.[31]

تعد سورة البلد الأكثر تركيزاً على المسألة الاجتماعية والحديث عن الفقراء والمساكين، جاعلة من العدالة الاجتماعية السبيل الأوحد إلى اقتحام العقبة أي النجاة مع شرط الإيمان وما يستلزمه من التواصي بالصبر والمرحمة.[32]

تعرض سورة عبس أركان العقيدة: النبوة بالحرص على ربطها بالعدل والمساواة أي المسألة الاجتماعية، وذلك بطرح ظاهرة الغنى وما عليه تقوم من أسباب، التوحيد ببيان أن أسباب الغنى هي من الله فهو الخالق وهو المدبر عبر سلسلة الأسباب، وتصل ذلك بمسألة المعاد كخاتمة.[33]

تتناول سورة الفجر المسألة الاجتماعية من خلال وصلها بظاهرة جشع الأغنياء والكسب الحرام، وفي سورة الضحى يتم تناول المسألة الاجتماعية من خلال الحث على معاملة الضعفاء من يتامى وفقراء معاملة حسنة والإحسان إليهم.

هذا التطواف في آيات وسور التنزل الأول الأبكر للقرآن الكريم "القرآن المكي" يشير بجلاء إلى الحضور الجلي للمسألة الاجتماعية؛ على نحو خاص قضية العدالة الاجتماعية وتمثلها أحد المضامين الرئيسة لمحاور الخطاب القرآني سواء بسواء مع كلٍ من التوحيد والنبوة والمعاد.

لقد تواترت مفردة العدل في القرآن الكريم في نحوٍ من ثماني وعشرين موضعاً، كما جاء الخطاب القرآني مستفيضاً استفاضةً بينة في ذكر نقيض العدل وهو الظلم، إذ تواترت الإشارات إلى ظلم النفس أو الغير، والتشنيع بالظلم والظالمين وما يترتب عليه من العدوان والخوف والشقاق وغياب الطمأنينة، كما تضمن خطاب القرآن الكريم الدعوة إلى الثورة على الظلم والظالمين، والانتصار والانتصاف للمظلومين وبيان مصارع الظالمين.

نخلص باستصحاب ما ذكر أعلاه إلى التقرير بأن المسألة الاجتماعية وفي مركزها قضية العدالة الاجتماعية لازمت الخطاب القرآني منذ تنزله الأول بمكة؛ إذ جاء أول توجيه قرآني تعبدي باتجاه الفعل الاجتماعي المصوب تجاه تحقيق العدالة الاجتماعية وليس باتجاه العبادة الشعائرية المألوفة.

ولئن شغلت المسألة الاجتماعية حيزاً بارزاً في الخطاب القرآني؛ فإنه لا بد من تأكيد الأطروحة الأساسية التي نتبناها وهي أن القرآن الكريم أسس لقضية العدالة الاجتماعية وتجلياتها وفق سياقات مختلفة عن تلك التي طوفنا بها في إطار الفكر الغربي.

وإذ مثلت قضية العدالة الاجتماعية أولوية خطاب الهدى الرباني حيال هداية المجتمع الإنساني، وجاء ذلك موصولاً بأصول وكليات الاعتقاد الإسلامي؛ فإننا نصيب كبد الحقيقة حين نشير إلي أن القرآن الكريم تناول أسس التصورات لقضية العدالة الاجتماعية على نحوٍ هو أكثر شمولاً ودقةً، وهو ما غاب عن كثير من الأطروحات الفكرية التي سبقت الإشارة إليه على النحو الذي نقصد بيانه فيما يأتي.

جاء التناول القرآني لقضية العدالة الاجتماعية وفق نسق أتم في مضامينه وتبدياته، وتوجه أشمل في أبعاده وحقوله، وبناء أكمل في مراميه وغاياته، فنحن بين يدي تصور للعدالة لم تنبع من بيئة القاصرة، كما أنها ليست وليدة مؤثرات محدودة، بل نحن بين يدي منظومة للعدالة تستمد من صفات الله الحق ليحققها البشر في حدود الوسع والطاقة.

  • الرؤية القرآنية: التأسيس الفلسفي للعدالة الاجتماعية

إن تصورات العدالة الاجتماعية كما يطرحها القرآن الكريم تُباين في جذورها التأسيسية الرؤى والأطروحات الغربية حيال العدالة الاجتماعية في أكثر من منحى فلسفي وفق ما تم عرضه سابقاً.

يروم البحث فيما سياتي الخلوص إلى أن تلك المباينة في التأسيس الجذري أفضت إلى أن تجيء العدالة الاجتماعية وفق الرؤية القرآنية متمثلة لمنهج متكامل تقوم عليه فكرة الحياة كلها واتجاهاتها جميعاً، وفق سياق القيم الأخلاقية المتلازمة لتُعبر هذه القيم عن منظومة غاية الكمال والجمال والاستقامة والتوازن والثبات، مفضية في مطافها الأخير إلي الحق تعالى.

  • التأسيس على مفهوم الفطرة الربانية وليس حالة الطبيعة الأولى

بدءاً نجد أن الخطاب القرآني يجيء تأسيسه للمسألة الاجتماعية على نحوٍ كلي وفق ركيزتيَّ الفطرة الربانية والهداية الإنسانية، وذلك خلافاً للأطروحات الغربية حيال المسألة الاجتماعية في الحقبتين الحديثة والمعاصرة؛ التي أسست لتلك المسألة على منصة مركزية هي فكرة العقد أو التعاقد الاجتماعي السياسي بحسبانها عماد وجوهر التأسيس النظري للمسألة الاجتماعية على نحو عام ولقضية العدالة الاجتماعية على نحوٍ أدق.

تردُ مفردتيَّ فطر وفاطر في القرآن الكريم في معرض الإشارة إلي الخلق على نحوٍ عام سواء خلق الإنسان أو خلق السموات والأرض، متضمنة الثناء والتعظيم لله المتعال ووصفاً لفعل الله تعالى الذي لا يقدر أحد من خلقه عليه، وكذلك الاستدلال بتفرده وبديع صنعه على وحدانيته عز وجل، ووردت مفردة " فطرة " فقد وردت مرة واحدة وذلك قوله تعالى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾[34]

ويُراد بالفطرة وهي تجيء وزن فِعلة أي الصيغة التي تدل على الهيئة أو الحالة؛ المراد بها حالة الاستعداد والتهيؤ الفطري لتوحيد الله ومعرفة الخالق عز وجل والاهتداء إليه، وهي حالة وجبلة ذات تجذر في طبيعة التكوين الإنساني لو ترك عليها لم يفارقها إلي غيرها، وإنما يَعْدِلُ عنها من يعدل لآفةٍ من آفات البشر والتقليد، وهذا الإيمان والتوحيد الفطريين مما لا يختص به الإنسان عن سائر الموجودات، بل الكون كله على هذا التوحيد الفطري الجِبلي، ومن لطيف لغة القرآن الكريم أن الإشارة إلي هداية الوجود كله والموجودات جميعها وانتظامها وفق هذا التوحيد الفطري أن تجيء الإشارة إليه عبر أربع مفردات هي القنوت والإسلام والسجود والتسبيح، وذلك نحو قوله تعالى:

﴿ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾.[35]

﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾.[36]

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ ﴿٤٨﴾ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾.[37]

﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾[38]

 

تأسست الرؤى القرآنية في حقول الدراسات الفلسفية والاجتماعية وعلم النفس على هدي قاعدة الفطرة  الربانية، ونلحظ بجلاء في الموروث الإسلامي أثر ذلك في عدة مناحي؛ من ذلك انتفاء وعدم بروز أي تصور فكري متشائم تجاه الماهية الإنسانية، فلم تشهد الحضارة الإسلامية تيار فكري تماهى مع فكرة أن فطرة الإنسان شريرة في أصلها، ومثل هذا التصور نجده ماثلاً بوضوح في الفكر الغربي سواء المتدثر بالدين أو المنخلع عنه، بل وترك بصمات واضحة في إسهامات كثير من الفلاسفة والمفكرين الغربيين على شتى الأصعدة سواء كانت نظريات اجتماعية أو سياسية أو أخلاقية أو نفسية.

إن نقاء التصور القرآني هو الذي حجب مثل هذه التصورات المتشائمة من البروز في ظل التفكير الفلسفي لدي المسلمين، بينما لعبت الوثنية الإغريقية عكس ذلك الدور تماماً في التفكير الغربي حتى في تأثيرها على المسيحية ببروز مفهوم الخطيئة الأصلية.

الإنسان وفق مفهوم الفطرة القرآني مجبول على الخير، وأن النفس الإنسانية بطبيعتها سوية ميالة إلي الخير بفطرتها، والمرء يجد في الخير ذاته وامتداده الطبيعي، وبالتالي فإن فعله الأقرب إلى النفس، ولذلك قال البعض أن فعل الخير إنما سميَّ معروفاً لأن النفس تعرفه، وكما فطر الإنسان علي الخير ابتداءً، فهو معان عليه من بعد ذلك بتعريفه وإفهامه وهدايته إلى طريق الخير بل وتيسيره له ليسلكه.

أما الشر واللاسواء والانحراف فهو أمر طارئ على النفس بفعل عوامل خارجية، منها عوامل المحيط الاجتماعي والثقافي حوله، ولذلك تصدق الملاحظة عندما نري الإنسان يفعل الخير ويأتيه دون تهيئة أو سابق تدبير، فالخير متجذر مركوز بطبعه بينما تجد الشر يحتاج إلى التدبير والإحكام مما يشير إلى أنه ليس من طبيعة الإنسان.

ثمة اتصال وثيق بين مفهوم الفطرة ومفهوم الهداية العامة، فالتصور القرآني يؤكد على أن الفطرة الإنسانية فطرة خيرة طيبة قويمة، تهفو إلي الخير وتُسر بإدراكه، وتحسب في ذلك تحقيق لوجودها وصحة حياتها، ثم أن الإنسان من بعد هذه الفطرة معان على أن يسلك سبيل الخير بمعونة معرفية إلهامية تبين له الخير فيأتيه، والشر فيذره.

تصويب النظر في هذين المفهومين المتداعمين في اتجاه الخير والاستقامة عليه، يفضي بنا إلى أن التصور القرآني يجعل من الإنسان كائناً مهيأ ليكون في مستوي الائتمان الإلهي، فالحق تعالى خلق هذا الإنسان ابتداءاً سوياً في تكوينه البدني والعقلي والروحي: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾[39] فالإنسان بعد تمام خلقه منحه الله تعالى هداية فطرية عامة لا يستثني منها فرد فهي هداية عامة ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾[40]، ومن لطيف التأويل هنا أن ( ثُمَّ ) هنا ليست للتراخي الزمني، فليس ثمة افتراق زمني بين خلق المخلوق وهدايته؛ إنما هو للتراتب بين الخلق والاهتداء للوظيفة، فهادية كل شيءٍ إلى وظيفته يفيد علو الرتبة من خلقه غفلاً.[41]

خلاصة الرؤية القرآنية الجامعة والمؤسسة لسائر قضايا الاجتماع الإنساني منطلقها أن الإنسان مخلوق لله بعد تمام خلقه على الفطرة السواء روحياً ومادياً؛ يهتدي بهداية من الله سبحانه وتعالى إلى مقاصد وجوده وكمالات ذاته، فكل ما في الوجود من مخلوقات وهبت هداية تكوينية تسوقها نحو غايتها وكمالها، والإنسان كسائر ما في الوجود خلق لغاية أخلاقية سامية خيرة، لذا فهو مفطور على الاهتداء إليها والإقبال عليها ابتداءً بأن فطر على الخير.

مفهوم الفطرة الربانية ينفي فكرة الصراع

إن قاعدتيَّ الفطرة الربانية والهداية الإلهية للوجود والإنسان تؤسس لانتفاء مبدأ الصراع والتشاؤم على أي مستوى من مستويات التناول لقضايا النفس والاجتماع الإنسانيين.

فلا نجد أي تصور فكري متشائم تجاه الماهية الإنسانية في التراث الفكري الإسلامي؛ ومن ثم فلا اصطراع على مستوى النفس الإنسانية وانفعالها بالقيم الأخلاقية، فالتصور القرآني للأنفس الإنسانية؛ النفس الأمارة بالسوء واللوامة والمطمئنة يفارق تقسيمات فرويد المتمثلة في الهو والأنا والأنا الأعلى ، فالمفاهيم القرآنية إنما هي حالات تتصف بها شخصية الإنسان في مستويات مختلفة من الكمال الإنساني في سياق تنازع جانبيَّ تكوينه المادي والروحي أو سمها صفات وخصائص غالبة للنفس في إطار وحدة نفسية لا تقبل التجزؤ أو التقسيم، ومن ثم فهي غير مؤسسة على فكرة الصراع في التفكير الغربي ولا تؤسس له بحال من الأحوال.

إن مقتضى ومقصد الخطاب القرآني حول الأنفس الإنسانية في جوهره ومقصده دعوة للإنسان لإحداث التغيير في نفسه ومجتمعه ومحيطه، ليتوافق الكل طاعةً وخضوعاً لله، والتصور القرآني يشير إلى أن نطاق التكليف الأخلاقي للإنسان هو حدود ما يستطيعه، ومن هذا المستطاع هو قدرة الإنسان على إحداث التغيير وفق تلك المستويات.

إن الرؤية القرآنية المؤسسة على مبدأ الفطرة الربانية هيأت التفكير الإسلامي لكي يفارق الاتجاهات الفلسفية الغربية في اعتماده مفهوم الصراع مفهوماً أساسياً جوهرياً في المسألة الاجتماعية بشكل عام، وفي قضية العدالة الاجتماعية على نحوٍ أخص، لقد رأينا كيف مضى رواد الفكر الغربي لاتخاذ الصراع جوهر الفلسفة الاجتماعية مع تباين تكييفهم لحالته؛ ولكن أغلبهم "اعتبروا دستور الصراع دستوراً أصيلاً أساسياً وكلياً بحيث حكموا وقرروا أن الحياة ما هي إلا صراع."[42]

ينشأ بناءاً على حالة الفطرة الربانية والهداية الإنسانية انتفاء حالة الصراع؛ ومن ثم رسوخ مبادئ التعاون والتعاضد والتساند ليس على مستوى سلوك المجتمعات والأفراد فحسب، بل حتى على مستوى الانسجام والتلازم على مستوى القيم الإنسانية وهو الذي نؤسس عليه جوهر فكرتنا في أن قيم الحرية والمساواة والإخاء الإنساني والاحسان والفضل والعفو والطمأنينة والاستقامة وسائر القيم تتلازم ولا تتنافر وفق الرؤية القرآنية.

على مستوى الاقتصاد والموارد باعتبار فكرة الصراع يُنظر إلى الاقتصاد من خلال أطروحات الملكية والتملك والإنتاج وتراكم الثروة باعتبار المسار الاقتصادي محتوم في مسيرته وتبدياته بحاكمية قوانين طبيعية لا يمكن معارضتها، فلا ينظر للنشاط الاقتصادي إلا من خلال كونه خالق للثروات، ويصوب النظر بشكل أكبر تجاه مؤشرات مادية بحتة كالناتج القومي الإجمالي للفرد لقياس التطور دون مراعاة لمبادئ قيمية كالحريات والكرامة وتعزيز الحقوق الإنسانية. 

الحرية الإنسانية في رحاب الفطرة الربانية

جوهر الفكرة القرآنية حول الحرية الإنسانية تقضي بأنه لكي يكون السلوك الإنساني تجاه ما كلف به من ائتمان إلهي سلوكاً أخلاقياً فلا بد بالضرورة أن يوهب القدرة على ممارسة الاختيار، فالحرية الإنسانية محورها مبدأ الفطرة الربانية وهي ليست منحة أو عطية النسق الاجتماعي المعين للإنسان؛ فهي معيار الفعل الأخلاقي وفق التصور القرآني، فالإنسان يعلن سموه عن سائر الأحياء لأنه كائن أخلاقي أؤتيَّ حرية الإرادة.

لقد مضى بنا تقرير اتجاه رئيس في الفلسفة الغربية بأن الأساس الصحيح للتفكير في الأخلاق والعدالة هو الحرية وليس السعادة "، وهو ذات المنحى الفلسفي لدي رولز في تقريره " إن حرية البشر وليست سعادتهم هي التي ينبغي أن تحتل مكان الصدارة من أفكارنا في العدالة"،

يبدو لي أن التأمل في مبدأ الحرية الإنسانية يفضي بنا إلى أن هذا المبدأ يكتسب منحى أبعد تجذراً وعمقاً وفق الرؤية القرآنية المستندة إلى حالة الفطرة الربانية والهداية الإلهية من الذي رأيناه في التفكير الغربي وعلى نحوٍ خاص عند كانط، فعند عند طائفة من المفكرين الإسلاميين يتم التعبير عن فكرة الحرية الإنسانية على نحوٍ جوهري موصولة بحقيقة ماهية الوجود الإنساني في ارتباطها بقضية الألوهية والخلق الإلهي. "فالتسليم بحرية الإنسان يعني التسليم بوجود الله إما ضمناً وإما صراحة، فالله وحده هو القادر على أن يخلق مخلوقاً حُراً، فالحرية لا يمكن أن توجد إلا بفعل الخلق"[43]، بل إن قدرة الإنسان على الاختيار تظل تمثل أعلى شكل من أشكال الوجود الممكن في هذا الكون، فالمشيئة الإنسانية هي خيار الإنسان وينبني عليها مسلكه في الحياة، وتحق عليه المحاسبة بكسبه من ذلك والمجازاة وفاقاً.  فالله لا يصرف بقدر جبروته وجهة مشيئة الإنسان وإنما خلق له فيها مجالاً حراً، وذلك قدر مشيئته العليا في شأن الإنسان؛ أن يُدبر له مشيئة تتصرف في خيار."[44]

المساواة والإخاء الإنساني وفق الرؤية القرآنية

بدت لنا من خلال التتبع السابق أن فكرة المساواة فكرة طارئة على الفكر الغربي، فقد تعمقت جذورها في العقل الغربي ونمت في فترة لاحقة تحت رعاية التعاليم المسيحية، والحق أن هذه الفكرة لكونها موصولة على نحوٍ جوهري بمفهوم الفطرة الربانية والكرامة الإنسانية فإنها تظل غير راسخة ومؤكدة إلا في ظل الإيمان بالله. وما عبرت عنه التعاليم المسيحية التي كان لها التأثير في أطروحة عدد من الفلاسفة الغربيين كجون لوك وغير حول مسألة المساواة الإنساني هو جوهر ما نادت به الرؤية القرآنية.

إن فكرة المساواة والإخاء لا يمكن التسليم بها إلا في إطار الإيمان بالأصل المشترك لجميع البشر، ومن ثم المساواة المطلقة بينهم، فإذا لم يكن الله موجوداً، فإن الناس بجلاء وبلا أمل غير متساوين، وعلى مدى التاريخ الإنساني اضحت لهذه الفكرة تأثيراً على جميع التطورات الروحية والأخلاقية والاجتماعية للجنس البشري.

وكما يشير المفكر المسلم على عزت بيغوفيتش فإن المساواة والإخاء بين الناس ممكن فقط إذا كان الإنسان مخلوقاً لله، فالمساواة الإنسانية خصوصية أخلاقية وليست حقيقة طبيعية أو مادية أو عقلية، إن وجودها قائم باعتبارها صفة أخلاقية للإنسان، كسمو إنساني أو كقيمة مساوية للشخصية الإنسانية."[45]

مفهوم الاستخلاف

تنهض طائفة من الآيات القرآنية على الدلالة بأن التملك والملكية إنما هي محض وظيفة يقوم المالك بالإنفاق وتوجيه الأمر إلى مستحقيه ﴿ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾[46]، فالمؤمن يرى أن كل ما يتملك إنما هو وديعة استودعها الله للإنسان على وجه الأمانة يتحملها مصحوبة بميثاق أن يؤدى فيها حق في ما أُستخلف شح نفسه أو طغواها بل يسخره في عبادة الله موقناً أنه مسؤول عن ذلك كما يُسأل عن كل أمانات الله التي أوليها، ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.[47] فكاسب الثروة أو ولي الملك إذ ردَّ الحق فيه إلى الله علم أن عباد الله مستوون عليه، وما هو إلا وكيل يصرفه لمصلحتهم جميعاً، لا سيما أنه حمل هذه الوكالة ليُمتحن في أداء شروطها[48]﴿ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾.[49]

يتسع مفهوم الاستخلاف لطائفة من المعاني القيمية والاجتماعية الرحبة التي يتقاصر عنها مبدأ التملك والملكية وفق اتجاهات الفلسفات الغربية، فليس في محض المالكية معيار للتفاضل الاجتماعي ولا هي مصدر للتفاخر أو تهييج لمشاعر الحرمان، والمحروم من جانبه لا يجد موجدة بالغل والحسد، فالله هو الباسط الرازق وهو الذي لا تنفد خزائن عطاياه ومواهبه. وفق هذا التصور يُساق المجتمع سوقاً رفيقاً باتجاه الشعور الإيجابي بالمشاركة الاجتماعية والعدالة تطهيراً للنفوس من دواعي الصراع.

العبادات ذات الوجهة الثنائية

تفردت التعاليم القرآنية استناداً لمفهوم الفطرة المؤسس للمسألة الاجتماعية إلى إبراز مفاهيم وطرائق متفردة لمطابقة العبادة المتوجهة نحو الحق عز وجل سواء بسواء مع الفعل الاجتماعي المصوب باتجاه النفع الاجتماعي العام، وإبراز مفاهيم الاستخلاف في الموارد بديلاً لمفاهيم التملك والملكية، وترسخت بذلك مفردات التعامل مع قضية الفقر وفق معاني ذات دلالات قيمية أخلاقية كالإحسان والفضل.

مضى بنا ما قرره بعض المشتغلين بالنظر في معاني القرآن الكريم من أن سورة الليل وهي من بواكير من نزل من القرآن المكي تضمنت إشارة إلى أول عبادة يقررها القرآن وهي عبادة ليست موجهة إلى الله؛ بل فعل اجتماعي موجه للتخفيف من الفقر والحرمان، وهو ذات المسار القيمي الذي يترسخ مع سورة الماعون التي تحمل إشارة لطيفة إلى استلزام مراعاة المضامين الاجتماعية في العبادة.[50]

توطد هذا المعني الرفيع في مرحلة القرآن المدني مع بزوغ مؤسسية الشعائر وعلى نحوٍ أخص شعيرة الزكاة، فالزكاة فعل اجتماعي يجسد قيم التعاون والتضامن والتعاضد والتساند بين أفراد المجتمع، فهي أصدق تعبير عن ثنائية العبادة في الإسلام التي تجمع بين صدق الطاعة والخشوع لله الحق؛ جنباً إلى جنب مع تحقيق النفع الاجتماعي.  

وفق تعزيز مفهوم ثنائية الطاعة لله والنفع العام تتجلى مساحات أرحب للفعل الاجتماعي، فهو فعل قادر على تجاوز أفق حركة مؤسسات الدولة الرسمية كمؤسسة الزكاة، فمؤسسة الأوقاف مثلاً تظل هي الأوسع مدى في تحقيق مرامي العدالة الاجتماعية في المجتمع، بحسبانها أصدق تعبير عن فكرتيَّ الصدقة الجارية والنفع العام تتجلى وفق مظاهر أكثر حيوية وشعبوية في المجتمعات الإسلامية. 

الفقر متعدد الأبعاد وفق منظور القرآن الكريم

يتجلى الفقر على نحو بارز في سياقه الاجتماعي ضرباً من ضروب الحرمان والعوز، فهو نقص فيما هو ضروري بحيث لا يمكن الاستغناء عنه في الحياة العادية، هذا المنظور الاجتماعي للفقر يستلزم مد أفق الرؤية لظاهرة الفقر باعتبار ثمة مناحي أخري يجب النظر من خلالها لهذه الظاهرة. "الفقر ليس قضية اجتماعية بحتة، فسببه ليس العوز فقط، وإنما أيضاً في الشر الذي تنطوي عليه النفوس البشرية، فالحرمان هو الجانب الخارجي للفقر، وأما جانبه الباطني فهو الإثم أو الجشع"[51]، بناءاً على هذه الرؤية الأوسع مدى فإن تدابير معالجة قضايا الفقر يجب أن يتوجه طرفاً منها باتجاه ترقية الشعور الإنساني، فكل حل اجتماعي لا بد أن يتضمن حلاً إنسانياً قيمياً.

المتدبر في آيات القرآن الكريم المتواترة في شأن الإنفاق والصدقات يلمس أنها تمضي على نحوٍ لطيف باتجاه مخاطبة قلوب الأغنياء والسمو بنفوسهم، عبر التلطف بالحض على آداب الإنفاق والصدقات كالمكاثرة والمسارعة والإخفاء والتصدق بالأحب الأطيب والتحري للمتعففين واجتناب الأذى والمن وغير ذلك من آداب، وكلها ترمي ترقية مشاعر التضامن الاجتماعي بما يجعل من الفقر ظاهرة استثنائية في المجتمع.

الطمأنينة أم السعادة

في ثنايا التأسيس الفلسفي لقضية العدالة الاجتماعية في إطار الفكر الغربي ظل مفهوم السعادة يتردد حيناً بعد حين بحسبانه مفهوم جذري تباينت حياله آراء الفلاسفة، وانسل من ذلك التباين اتجاهين مؤثرين في الفكر الغربي هما مدرستيَّ النفعية والواجب.

وقف الباحث على أطروحات عدة للفلاسفة المسلمين حيال السعادة الإنسانية، وثمة توافق عام حول القول بوحدة النفس الإنسانية، وكذلك اعتبار لسعادة غاية قصوى لحياة الإنسان، ولم تشهد فلسفة المسلمين أي اتجاه فلسفي أخلاقي يجعل من اللذة الحسية ذات أثر باعث في السلوك الأخلاقي للإنسان، فضلاً على أن تكون غاية لحياة الإنسان، بل إن الرؤية القرآنية تطرح مفهوم الطيبات بديلاً تأسيسياً عن مفهوم اللذات ، فمفهوم الطيبات أكثر شمولاً وأوسع مدىً من مفهوم اللذات، كما أنه يستحضر أبعاداً جمالية ووجدانية للفعل الأخلاقي يفتقر إليها مفهوم اللذة. 

التأسيس على مفهوم وحدة السعادة الإنسانية يفضي بالمتأمل حوله إلى أن تلك السعادة ليست مجرد وقائع خارجية بل هي في المقام الأول واقعة جبلية فطرية، وأن الإنسان مهيأ روحياً ونفسياً لأن يتجه نحو غاياته وكمالاته، وهذا السبيل نحو السعادة تتلاقى فيه الفطرة الربانية الثابتة والهداية الإلهية. 

هكذا فإن جوهر ماهية السعادة الإنسانية في الواقع الماثل كما يعبر عنها القرآن الكريم وفق نقاء وصفاء مفهوماته إنما تتمحور حول مفهومي الطمأنينة والفلاح، مع اعتبار خاص لمفهوم الطمأنينة، إذ ليس دقيقاً أن تتم المطابقة بين السعادة والفلاح للدلالة على التصور القرآني للسعادة، ذلك أن الفلاح يجيء إزاء كمالات النفس العملية، وهي أقل رتبة وشرفاً من كمالاتها النظرية التي تعبر عنها بطمأنينتها.

من ثم فإن الطمأنينة هي الأبلغ في التعبير عن جوهر السعادة القرآنية، إذ تمثل ذروة وغاية سمو النفس المؤمنة الشريفة في مسيرها نحو الحق عز وجل ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ۝ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ۝ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ۝ وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾.[52]

خاتمة

سعت هذه الورقة البحثية لتصويب النظر حول قضية العدالة الاجتماعية؛ تدبراً وتأملاً في الأسس والمرتكزات الرئيسة لفكرة العدالة الاجتماعية من خلال بذل مزيد من الدرس والفحص للاتجاهات الغربية الحديثة والمعاصرة؛ موصولاً بالنظر في هوادي الخطاب القرآني حول ذات القضية، وهدف هذا التأسيس الفلسفي المقارن هو المقاربة باتجاه تلمس التوافق على مبادئ كلية للعدالة التي نصبو إليها؛ تطلعاً لواقع إنساني يسود فيه العدل ويزول عنه الظلم والفقر والحرمان.

عرضت الورقة للأسس والمرتكزات لاتجاهات العدالة الاجتماعية في سياق الفكر الغربي؛ مشيرة لطائفة من الأفكار التي شكلت جذور إتجاهات الفكر الغربي الحديث والمعاصر حيال قضية العدالة الاجتماعية، وتناولت الإشكالات النظرية والعملية التي أفضت إليها أبرز تلك الاتجاهات وهو ما تم التعبير عنه خلاصةً بانسداد أفق العدالة الاجتماعية وفق الرؤى الغربية لاشكالات التأسيس الفلسفي.

مضت الورقة باتجاه الإبانة عن هوادي الخطاب القرآني حول قضية العدالة الاجتماعية؛ متناولةً التأسيس القرآني المباين في جوهره لجذر الرؤية الفلسفية الغربية في عدة مرتكزات، واستصحاب الرؤية القرآنية لمنظومة قيمية تتداعم وتتعاضد توافقاً وانسجاماً بعيداً عن منزع الصراع الذي وسم الرؤى الغربية.

عمدت الورقة إلى تجلية ما أفضت إليه تلك المفارقات بين الرؤيتين من ضيق لازم الرؤى الغربية، بينما تلمسنا رحابة وسداد ظلت موسومة بها العدالة وفق سياق مفهومات القرآن الكريم؛ ولا ريب إن هوادي القرآن الكريم لهي خير ما يربي الإنسان على معاني العدالة، وأن مجتمع المؤمنين خير إطار لتحقيق العدالة الاجتماعية في الواقع.

خلص الباحث إلى أن أطروحة العدالة الاجتماعية وفق الرؤية القرآنية تجيء متمثلة لمنهج متكامل تقوم عليه فكرة الحياة كلها واتجاهاتها جميعاً، وفق سياق القيم الأخلاقية المتلازمة لتُعبر هذه القيم عن منظومة غاية الكمال والجمال والاستقامة والثبات، مفضية في مطافها الأخير إلي الحق تعالى.

 

الهوامش


* الدكتور عصمت محمود أحمد سليمان حاصل على الماجستير والدكتوراه في الفلسفة من جامعة الخرطوم في السودان، شغل منصب رئيس قسم الفلسفة والآداب وتــولى نيابــة عمــادة الكليــة ذاتها، ويشــغل حاليــاً وظيفــة أســتاذ مشــارك بقســم الفلســفة والآداب بكليــة الآداب جامعــة الخرطــوم. له العديد من المؤلفات والبحــوث العلميــة المنشــورة منهــا كتــاب بعنــوان "مفهــوم الطمأنينــة في القــرآن الكــريم ـ بحــث في فلســفة الســعادة" و" التعايــش الدينــي بــن الأمم وفــق منظــور فلســفي" و "اتجاهــات التديــن في المجتمــع الســوداني وأثرهــا علــى صعيــد عنــف الحضر" و" العلــم في رؤاه الكونيــة وفــق منظوريــن. شــارك في العديــد مــن المؤتمــرات العلميــة العالميــة بماليزيــا وتركيــا ومصــر، ويتــولى الآن مهــام المحــرر الأول لمجلــة "دراســات رســائل النــور" التــي تصــدر بإسطنبول في تركيــا.

[1].  ابن منظور: لسان العرب، القاهرة، دار المعارف، (د.ت)، ج 5، ص 2838 وما بعدها.

[2]. سورة المائدة :95.

[3]. سورة البقرة: 194.

[4]. سورة الشورى: 40.

[5]. سورة الشورى: 40.

[6].  الراغب الأصفهاني: مفرداتُ ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داوودي، دمشق، دار القلم، الطبعة الرابعة 2009، ص 551 وما بعدها.  

[7].  إبراهيم العيسوي: العدالة الاجتماعية والنماذج التنموية، بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى 2014م، ص 95 وما بعدها.

[8].  ديفيد جونسون: مختصر تاريخ العدالة، ترجمة مصطفى ناصر، الكويت، سلسلة عالم المعرفة 387، الطبعة الأولى أبريل 2012م، ص 202.

[9].  المرجع السابق، ص 181.

[10].  المرجع السابق، ص 237.

[11].  انظر أمارتيا صن: التنمية حرية مؤسسات حرة وإنسان متحرر من الجهل والمرض والفقر، ترجمة شوقي جلال، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، 303، الطبعة الأولى 2004م.

[12].  جيلين تيندر: الفكر السياسي الأسئلة الأبدية، ترجمة محمد مصطفى غنيم، القاهرة، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، الطبعة اولى 1993م، ص 84.

[13].  المرجع السابق: ص 87 وما بعدها.

[14].  جونسون، مرجع سابق، ص 133.

[15].  تيندر، مرجع سابق، ص 90 وما بعدها.

[16].  انظر جون سكوت: علم الاجتماع ـ المفاهيم الأساسية، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث، الطبعة الثانية، 2013م، ص 213 وما بعدها. 

[17].  جونسون، مرجع سابق، ص 82 وما بعدها.

[18].  المرجع السابق، ص 145.

[19].  ليو شتراوس وجوزيف كروبسي: تاريخ الفلسفة السياسية، ترجمة محمود سيد أحمد، مراجعة إمام عبد الفتاح إمام، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، الطبعة الأولى 2004 م، ج 1، ص 576.

[20] محمد عثمان محمود: العدالة الاجتماعية الدستورية في الفكر الليبرالي السياسي المعاصر- بحث في نموذج رولز، الدوحة، المركز العربي لأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى، 2014م، ص 87.

[21].  ليو شتراوس وجوزيف كروبسي، مرجع سابق، ج 2، ص 23.

[22].  المرجع السابق، ص 24.

[23] محمود، مرجع سابق، ص 90.

[24] المرجع السابق، ص 98.

[25]. ليوشتراوس وجووزيف كروبسي، مرجع سابق، ج 2، ص 23.

[26].  جونسون، مرجع سابق، ص 175 وما بعدها.

[27] رولز، مرجع سابق، ص 98 - 99.

[28] أنطوني جيدنز: بعيداً عن اليسار واليمين ـ مستقبل السياسات الراديكالية، ترجمة شوقي جلال، الكويت، سلسلة عالم المعرفة 286، اكتوبر 2002م، ص 175.

[29] المرجع السابق، ص 174.

[30] محمد عابد الجابري: فهم القرآن الحكيم ـ التفسير الواضح حسب ترتيب النزول، بيروت، مركز دراسات الوحدة الطبعة الرابعة 2012م، ج1، ص 50.

[31] المرجع السابق، ص 50.

[32] المرجع السابق، ص 167.

[33] المرجع السابق، ص 108.

[34] سورة الروم: 30.

[35] سورة الروم: 26.

[36] سورة آل عمران: 83.

[37] سورة النحل: 48-49. 

[38] سورة الإسراء: 44.

[39] سورة التين: 4. 

[40] سورة طه: 50.

[41] سيد قطب: في ظلال القرآن، بيروت، دار الشروق، الطبعة الثانية عشر 1986م، ج 4، ص 2338. 

[42].  بديع الزمان سعيد النورسي: الكلمات، ترجمة صادق تانري وآخرون، القاهرة، دار السنابل الذهبية، الطبعة الثانية 2012م، ص 313.

[43].  علي عزت بيغوفيتش: الإسلام بين الشرق والغرب، ترجمة محمد يوسف عدس، بيروت، مؤسسة العلم الحديث، الطبعة الأولى، 1994م، ص 82-83.

[44].  حسن الترابي: التفسير التوحيدي، بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الأولى، 2011م، ج 2، ص 603.

[45].  بيغوفيتش، مرجع سابق، ص 85.

[46] سورة الحديد: 7.

[47] سورة الأنعام: 165.

[49] سورة النحل:71.

[50] الترابي، مرجع سابق، ج 1، ص 50.

[51].  بيغوفيتش، مرجع سابق، ص 296.

[52] سورة الفجر: 27 ــ 30.

Post your Comments

Your email address will not be published*

Add new comment

Restricted HTML

  • Allowed HTML tags: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • Lines and paragraphs break automatically.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.