مبدأ إكمال الدّين وبنية المشروع الثّقافي الإسلامي

® Lucie Debelkova, Flickr

 

ملخّص البحث

يهتمّ هذا البحث بتحليل طبيعة العلاقة بين الوحي والحياة، أو دور الدّين في المجتمع، وعلاقته بالعلم والمعرفة، أو ما يمكن تسميته بالمشاريع الثقافيّة والحضاريّة، التي يسعى النّاس لتحقيقها في دولهم ومجتمعاتهم، ويهدف إلى الإجابة عن أسئلة مركزيّة متفرّعة هي: ماذا أضاف الإسلام؟ وما هي الزّيادة التي جاء بها، باعتباره الدّين الخاتم؟ وما معنى اكتمال الديّن في مفهوم القرآن الكريم؟ معتمدًا في معالجته لهذا الموضوع، على قراءة تحليليّة للآيات التي تناولت مفهوم الدّين وإكماله، مستأنسًا ببعض التّفاسير القديمة، وآراء بعض العلماء المسلمين المعاصرين. وقد عولجت هذه المسائل ضمن أربع مطالب أو مشاغل هي:

  • أزمة الإيمان في العصر الرّاهن، وعلاقتها بفهم الجاهز الثّقافي الغربي.
  • طبيعة المشروع الثّقافي الإسلامي في ضوء مبدأ أقوم السّبل، أو الصّراط المستقيم.
  • عرض ملامح المشروع الثّقافي الذي قدّمه القرآن الكريم للنّاس.
  • منزلة إكمال الدّين في تفعيل قيم المسؤوليّة والاستخلاف.

 

أزمة الإيمان وإشكاليّة فهم الجاهز الثّقافي الغربي

كثرت الكتابات حول مكانة الدّين وفلسفته، وجلبت الظّواهر الدّينية الأنظار إلى البحث في جوهره وتمثّلاته في الواقع الاجتماعي وعلاقته بالسّياسة والثّقافة والعلم، والإمكانات التي يمكن أن يسهم بها في نشر السّلام والوحدة والتعايش السّلمي بين البشر. وتكوّنت مراكز بحث عديدة متخصّصة في معالجة الظّواهر الدّينية ونقاط الاختلاف والالتقاء بين الأديان السّائدة وخاصة اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام. وكثر الحديث أيضا عن حوار الحضارات وحوار الأديان وسبل التّفاهم خوفا من انتشار التعصّب والتطرّف. وربمّا كُتب حول هذه المواضيع أكثر ممّا صنّف في العلوم البحتة، وخاصة في وسائل الإعلام التكنولوجيّة الحديثة والسّريعة.

جلبت هذه الوسائل العصريّة إمكانات ضخمة للمعرفة والحريّة والاختيار، ولكنّها ظلّت تحت تأثير سلطة المال والسّياسة، موجّهة نحو أفهام وأذواق محدّدة ومنحازة، رغم شيوع عبارات التّفاهم المشترك والتعاون الدّولي. وربّما كانت الدّعوة إلى التقارب بين الأديان والتّفاهم بين بني البشر من أهمّ نتائج الحضارة الحديثة التي بعد أن ذاقت مرارة حروب مدمّرة، رجعت إلى الدّين تلتمس رشاده وهداياته عن طريق التّجربة والتدبّر معا. بل أصبح البحث في الفكر الدّيني والتّجارب الدّينية وحقول التّاريخ وخاصة تاريخ الدّيانات من أهمّ مشاغل الباحثين في الجامعات، في حقول الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النّفس، وحتّى في الآداب والفنون. وربّما يرجع ذلك في بعض الجوانب إلى فقدان اليقين، والشكّ في قدرة العلم على حلّ المشكلات الرّاهنة، أو إسعاد البشر وإضافة المعنى إلى حياتهم.

وإذا كانت عصور الإيمان هي عصور النّظر العقلي، كما لاحظ العالم الانجليزي وايتهد (1861-1947م) فمن الطّبيعي أن يزيد الاهتمام بالشّأن الدّيني ومشاغل الفكر الدّيني، لأنّ عصر العلم الحديث هو أيضا عصر الإيمان وتعدّد المذاهب، وعصر الجدل حول الإسلام بالخصوص، باعتباره المحرّك الأعظم للتيّارات والإصلاحات والتّأويلات المختلفة التي تعجّ بها المنطقة العربيّة والإسلاميّة والعالميّة أيضا. فالإسلام دين الحركة والاجتهاد.

إنّ الجدل بين أتباع الأديان ليس جديدا لا محالة، فهو قديم قدم الإنسان. والحوار بين الأديان رغم كونه ليس جديدا تماما، إلاّ أنّه من خصائص الحضارة الحديثة ومساعيها.ولكنّ المسلمين عرفوا في عصور كثيرة ما هو أفضل من هذا الحوار، عرفوا السّماحة الدينيّة وعدم التعرّض بسوء لمعتقدات الأمم والشّعوب، واحترام عباداتهم وشعائرهم المختلفة. بل إنّهم عمدوا إلى دراسة تلك النّظم الدينيّة واكتشافها، كما فعل البيروني ( 362-440هـ) وابن حزم (384-456هـ) وابن بطّوطة (703-779هـ) من أجل إدراك العوامل الثقافيّة والرّوحية ذات الأثر المعتبر في حياة الشّعوب. وربما كان ذلك استجابة لتطوير جديد في علاقة الإسلام بالشّعوب الأخرى والتعرّف عليها، ليس بنظرة استعلائيّة أو عدائيّة، بل بروح البحث العلمي النّزيه. وقد كان موقف الإسلام من اليهوديّة والمسيحيّة متميّزا في التّأكيد على وحدة الأديان، فالإسلام في لغة القرآن كما لاحظ عبد الله دراز(1894-1958م) ليس اسما لدين خاص، وإنّما هو اسم للدّين المشترك الذي هتف به كلّ الأنبياء، وانتسب إليه كلّ أتباع الأنبياء. ([1])

إنّ المشاكل المعقّدة التي يواجهها العالم اليوم، لها علاقة لا محالة بغياب القيم الرّوحية السّامية، ولا يمكن الحديث عن الخير والعدالة والتّنمية بدون دين حافز وضمير حيّ وقيم راشدة، هي أقوى ضمانة في مقاومة التعصّب والكراهيّة والأنانيّة، أو الظنّ والجهل والغرور، ذلك الثّالوث الذي حاربه القرآن ودعا إلى تجاوزه، لأنّه يقود إلى التّصادم والعداوة، ويبعد عن نور الله. والدّين الحيّ يقاوم فعلا اليأس والقلق والغرور، بحكم جوهره ومكوّناته النّفسية، وهي مفردات طاغية لا محالة في بنية الحضارة الحديثة، ويؤسّس أيضا لثقافة التحرّر والانفتاح. وفي مناخ الفراغ الرّوحي وعجز الإيمان، أو غيابه، تجفّ المشاعر ويصبح الفكر تائها بين غرور علمي وتقني، وعاجزا عن التّفاهم والحوار واحترام الآخر المختلف رغم الشّعارات والدّعايات. ورغم أنّ كثيرا من علماء المادّة والحياة والاقتصاد والاجتماع تجاهلوا المقوّمات الدينيّة والرّوحية والقيم الأخلاقيّة، بدوافع الخوف من عودة الكنيسة، فإنّهم ساهموا في تأسيس أدوات الهيمنة والخداع والتّلاعب بالعقول والأذواق والأشواق، عبر وسائل حضاريّة متطاولة شديدة الفتك والإبادة.

وإذا كانوا قديما يتحاربون بالنّبال والسّيوف عند غياب المنطق والتّفاهم، فإنّ الاستعمار الحديث كما كان يقول علي شريعتي (1933-1977م) يتمّ بوسائل رحيمة وناعمة، قوامها الكتاب والجريدة والقناة ومراكز البحوث. قال محمّد إقبال (1877-1938م) عن هذه الظّاهرة متهكّما منذ زمن بعيد: «يا لبلادة فرعون الذي لم يصل تفكيره إلى تأسيس الكلّيات، وقد كان ذلك أسهل طريق لقتل الأولاد، ولو فعل ذلك لم يلحقه العار وسوء الأحدوثة في التّاريخ». وعن المسخ الليّن يقول أيضا: «إنّ أهل الشّرق يقضون على العدوّ بشدخ رأسه، ولكنّ الغربي يغيّر طبيعته وقلبه».([2])

وإذا كان الإسلام بطبيعته دعوة إلى السّلام والبناء، فإنّ المسيحيّة المجسّدة في الكنائس والفكر الكنسي التبشيري، لم تنفكّ تتضامن مع قوى الاستعمار ومصالحه، وهذا الاقتران بين التّبشير والاستعمار جعل الزّعيم الكيني جومو كينياتا (1894-1978م) يقول عن المسيحيّة: إنّها دابة الاستعمار. ولكن هناك ما هو أخطر من التّبشير، وهو الجاهز الثّقافي الغربي، المسكون باللاّهوت المسيحي: «عندما شرع العالم الإسلامي يتلمس طريقا للخلاص من سطوة العالم الغربيّ المتشرّع بالنّصرانية، والمتسلّط على مقدرات العالم الإسلامي وعلى جوانب عدّة من حياته الثّقافيّة والفكريّة، أخذ المسلمون في استجلاء طبيعة التسلّط الغربي، فاتّجهت الأنظار إلى الاستشراق والتّنصير التّبشيري وحدهما، بوصفهما بيت الدّاء، والأداة الفاعلة للعالم الغربيّ في الصّراع والسّيطرة، فأقيمت النّدوات والمؤتمرات، وتأسّست مراكز البحوث والأقسام العلميّة بالكلّيات والجامعات، وذلك دون التفات أو عناية تُذكر بالفكر اللاهوتيّ، وعلاقته بالدّراسات الاستشراقيّة والتنصيريّة، التي وُلدت في كنف الفكر اللاهوتيّ».([3])

قد يكون هذا الجاهز الثّقافي الغربي مُهيمنًا ومخزّنا في وعينا أو لاوعينا، وبعيدا عن منطق الإدانة الأخلاقيّة، يقتضي الأمر ضرورة فهم مكوّنات ذلك الجاهز ومعرفة ذلك اللاّوعي، وحقيقة ذلك الفكر اللاّهوتي. فالصّورة في ذلك المخزون أنّ الثقافة الغربيّة في عمومها وتجليّاتها الفلسفيّة والعلميّة والفنيّة، بعيدة ومنقطعة عن اللاّهوت تماما، ولكن دعنا نتشكّك في هذا الجاهز الثّقافي، لأنّه لا يمكن إغفال دور الفكر اللاّهوتي في صياغة الوعي الثقافي والحضاري والفكر الدّيني في العالم الغربي، الذي وإن أعلى راية العلمانيّة، إلاّ أنّه ظلّ لاهوتيّا بحتا، وخاصّة في رؤيته للإسلام.([4])

لقد اكتشف الغرب نظريّة التطوّر وتفاعل معها أيـّما تفاعل، لأنّها كانت تتويجا لتطلّعاته، وقد نُشر كتاب داروين حول أصل الأنواع في انجلترا عام 1859م، وكان شديد التّأثير في الفكر الأوروبيّ. وفي السنّة نفسها نُشر أيضا في انجلترا كتاب رباعيّات الخيّام، وكلا الكتابين تناول الوجود الإنساني على وجه الأرض، فكان داروين قد أثار التّساؤلات بأسلوب العالم، والخيّام أثارها بأسلوب الشّاعر. ومنذ ذلك الوقت تلبـّست القضيّة الوجوديّة بموقف حائر وعابث، أثار القلق ودفع إلى الإباحيّة واللاّأدرية، والشكّ في كلّ شيء، وهي نزعة صبغت الرؤية الغربيّة، ونقلت إلى العالم أصداءها في أشكال متنوّعة من الأدب والمسرح والرّواية، وإنّ تاريخ السّينما الغربيّة قائم كلّه على مبدأي القوّة والتحرّر، أو العنف والإباحيّة.

 وربما عبّرت فلسفة نيتشه (1844-1900م) عن تلك الرّوح في أزمة الإيمان: فقد قامت أوّلا على التّشكيك والتهكّم على بعض مفاهيم الدّين المسيحي، ثمّ الدعوة إلى التحرّر من سلطته. وصيحته العدميّة في كتابه: المعرفة المبهجة، معروفة وصادمة، وتهكّمه تبرّره نزعة التّأليه التي تلبـّس بها الإنسان الغربى، بعد إنكار الخلق المباشر، وهو تعبير عن نهاية دراميّة للأخلاق والإيمان بالغيب، والقطع حتّى مع تراث أمثال: باسكال وجوته وكانط، في تأمّلاتهم الأخلاقيّة وتقصّياتهم الإيمانيّة والوجوديّة، إذ أصبح هذا الإنسان سوبرمانا متربّعا على عرش التّأليه: « يحتاج إلى أسوأ ما فيه إذا أراد الوصول إلى أفضل ما فيه» كما جاء على لسان زرادشت.

هذا التحرّر كان مزدوجا ومتناقضا، لأنّه رفع القداسة ونزع التّأليه، من جهة، وسقط في تأليه أرضي من جهة ثانية، ارتبط بمبدأ إرادة القوّة والالتحام بالغريزة المجسّمة في ديونيزيس وآلهة الخمرة والمتعة: (أبولو وباخوس كما في الأساطير اليونانيّة) والتغنّي بفضائل القوّة والغريزة ، والتي دفعت نيتشه إلى التغنّي بالعظمة والقوّة وتكريس العدميّة والفاشيّة، التي أرساها لاحقا هتلر وموسليني، ورغم أنّ كثيرا من المفكّرين التمسوا مبرّرات نفسيّة واجتماعية لمأزق نيتشه، وهذا أمر عالجه محمد إقبال نفسه في كتابه: تجديد الفكر الديني، حيث وقع التّأكيد على أنّ تعارض المسيحيّة مع مقتضيات المنطق وتجسيدها للمطلق في جعل المسيح ابنا لله، ومنزع التّثليث، أزّمت الفكر الأوروبى وأوقعته في اختناق، كان لا بدّ أن  يتبلور في رفض قاطع. ولكنّ هذا التّثليث موغل في القدم، واعترضته هرطقات وثورات عديدة منذ آريوس  إلى كالفن، فكيف نبرّر انزلاق الحداثة في التلبّس بنزع المقدّس، والدّعوة إلى موت الإله بعد ذلك؟  

لقد صنعت الحداثة وما بعدها، إنسانا مصابا بالقوالب الجاهزة، والقهر الدّعائي، فجاءت بفلسفات تدعو إلى تحرير هذا الفرد من سلطة الإكراه والقهر ونسف مقولات الأمس، وظلّ حلم تحقيق الإنسان الأسمى والحريّة الكبرى، والوجود الراّقى لهذا الإنسان، حديث خرافة، وتراءى في مقابل ذلك، أنّ التحرّر من القيم التي ثار عليها بدعوى الخلاص والانعتاق، لم تشكّل إلاّ موتا بطيئا وذبولا سريعا لصورته وأشواقه، وكلّ ذلك تمّ تحت شعارات ظلّت تُرفع أبدا: مرّة باسم المعرفة الوضعيّة، ومرّة باسم العقلانيّة والنّزعة الإنسانيّة. 

من المحتمل أنّ التعامل مع الثّقافة الغربيّة، بدون الإلمام بهذه الخلفيّات الحضاريّة، والأبعاد النفسيّة التي تحكم العقول والأذواق، تضرّ أكثر ممّا تنفع، ولا يمكن فهم هذه الحضارة إلاّ باستيعابها الاستيعاب الصّحيح والمعمّق، ودراسة حقولها الثقافيّة والعلميّة والنفسيّة، لا من أجل الحكم عليها أو إدانتها، كما يفعل بعض المسلمين، ولكن من أجل فهمها والقدرة على التّفاعل معها التّفاعل الصّحيح، البعيد كلّ البعد عن مركبّات النّقص أو الانبهار، التي ملأت عوالم الثّقافة العربيّة في الوقت الرّاهن.

 

مبدأ أقوم السّبل وطبيعة المشروع الثقافيّ الإسلامي

لكلّ مجموعة بشريّة علمان: العلم الأوّل: هو العلم الغيبيّ، وهو متعلّق بأصول الإيمان أو المنظومة التي يفسّر بها الإنسان وجوده وارتباطه بالكون وبمجموعته البشريّة، والتي تنطلق في الغالب من الإيمان بخالق موجد للكون، تعترف له بحقّ العبادة ، ومن خلال هذا الايمان، فسّر الإنسان وجوده ودوره ومصيره في الحياة، وجعل من ذلك يقينا يطمئنّ إليه، بغضّ النّظر عن نسبة الصّواب والباطل فيه. وعلى أساس هذا العلم، وضع طقوسا تعبّديّة تربط بينه وبين من اعتقد أنّه سبب وجوده ووجود الكون، وبنى منظومته الأخلاقيّة والقانونيّة لتنظيم المجتمع، ذلك ما اعتُبر ضرورة دينيّة،من وجهة نظر  فكريّة واجتماعيّة،فالدّين باعتباره علما أوّليّا وضروريّا، لا ينعدم في أيّة مجموعة بشريّة، وهو يتّصف بالبساطة والتّوحيد والالتحام بمشاعر النّاس وتطلّعاتهم الرّوحية والنّفسية. قال علي عزّت بيجوفتش ( 1925-2003م) معبّرا عن ذلك التّلازم: «حتّى في أكثر أنواع الحيوانات تطوّرا، لا نستطيع أن نجد أدنى أثر لعبادات أو محرّمات، بينما نجد أنّ الإنسان حيثما ظهر، يظهر معه الدّين والفنّ .أمّا العلم فإنّه حديث النّشأة نسبيّا. لقد كان الإنسان والدّين والفنّ دائما في تلازم وثيق».([5])

العلم الثّاني: هو العلم المعرفيّ الماديّ، الّذي يكتسبه الإنسان ليعيش ويتحصّل به، على قدر تجربته، بما يدافع به عن نفسه ويشفي به مرضه ويستغلّ به محيطه. هذا العلم مشترك ومحايد، لا دخل للمعتقدات فيه، وإن كان ذلك المعتقد هو الّذي أفرز الكثير من تلك النّظم الحياتيّة. وعلى العموم فإنّ العلم المعرفيّ المادّيّ يتعلّق بالعقل وما ينتجه.

يصعب الفصل بين العلمين لا محالة في أيّة مجموعة بشريّة. فلكلّ المجتمعات البشريّة، برامج تسير عليها وفي سياقها تنتظم كلّ المكوّنات المتعلّقة بالمجموعة شعبا أو قبيلة أو دولة. ذلك البرنامج المتكوّن من العلم الغيبيّ والعلم المعرفيّ المادّي هو ما يمكن تسميته المشروع الثقافيّ الحضاريّ لشعب أو دولة أو أمّة ما.لم يبن الفراعنة الأهرامات إلاّ تلبية لما طلبه منهم ذلك المشروع الثّقافي، ولم يحنّطوا موتاهم إلاّ لإعلاء قيم الخلود والبعث، وما وضع حمّورابي قانونه الشّهير إلاّ تجسيدا لأفكاره في الجانب القضائيّ وليخدم ذلك التّشريع المعتقد. والأمثلة لا تُحصى لا محالة، ولكنّ المشروع الثقافيّ الحضاريّ هو ما يُدرس عموما تحت عنوان الحضارة، وإن كان هذا الطّرح يعارض فكرة مالك بن نبيّ (1905-1973) في مفهوم الحضارة ومشكلاتها.

اشترك العلمان في أهمّ ما بقي من آثار تلك الحضارات، ولا يخلو المشروع الثقافيّ السّائد في أوروبا الغربيّة اليوم من معتقدات. ويغلب على كلّ مشروع ثقافيّ حضاريّ، قديمًا وحديثًا طابع البدايات والمنطلقات، فقد يكون مجهول المنشأ، أبرزه حكيم أو فيلسوف أو ملك مؤسّس. وقد يكون من بقايا رسول كريم، اندثر ما دعا إليه وتغيّرت ملامح مشروعه وأغراضه. وقد يكون المؤّسس للمشروع شخصًا معروف الهويّة وكتبه متداولة، وقام حزب سياسيّ يحقّق ذلك المشروع كما فهمه رجال الحزب. وأيّا كان المشروع الثقافيّ، وأيّا كان مصدره، فهو لا يخلو أبدا من معتقدات وتنظيرات. وهذا يكذّب بطبيعة الحال النظريّة التي تجعل من الدّين والتديّن ظاهرة خاضعة لأسباب اقتصاديّة وسياسيّة واجتماعيّة، وتزول بزوال تلك الأسباب.

     توجد آلاف التّعريفات للدّين وكلّها هزيلة وجزئيّة، لأنّها لا يمكن أن تحدّد تأثيره وحضوره ونفاذه في جميع أنشطة الحياة الاجتماعيّة والنفسيّة للأفراد والمجتمعات، ولا فائدة من البحث في حقيقته وحدوده، وإنّما الأهمّ البحث في جدواه ووظيفته وعلاقته باحتياجات البشر. ولا يجدي نفعا التّعالي باستخدام مصطلحات المقدّس والمدنّس والسّحر والأساطير في تحليل بنية الدّين أو مكوّناته أو أثره على حياة معتنقيه، وخاصة إذا عنينا بالدّين الإسلام. فليس فيه مقدّسات ولا أسرار، فالأرض كلّها طاهرة، والمسلم لا ينجس أبدا حيّا وميتا، وأينما أدركته الصّلاة يصلّي، وكلّ إنسان مؤمن أعظم عند الله من الكعبة. وزوال الدّنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم واحد. ولا قداسة للكعبة في ذاتها، ولا لأيّ مسجد ولا لأيّ بشر: « جعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصّلاة فليصلّ حيث أدركته»، و« جُعِلَتْ لِي كُلُّ الْأَرْضِ طَيِّبَةً مَسْجِدًا وَطَهُورًا»، و« هدم الكعبة حجرا حجرا أهون من قتل المسلم». و« لا تطروني كما أطرت النّصارى ابن مريم، إنّما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله ورسوله».([6])

يهدف الدّين عموما إلى إضفاء المعنى على الحياة وتفسير الوجود، فوظيفته نداء وتذكير وتعريف وهداية، وتحوم كلّها حول تركيز الإيمان وإصلاح السّلوك وتزكيته بالعبادة والضبط الاجتماعي. فالدّين الإسلامي بهذا الوصف، هو إيمان وأخلاق وعبادة وتشريع. ولا يعني هذا التعدّد في الأركان، تغطية جميع جوانب الحياة، كما يدّعي كثير من المسلمين، فالإسلام لا يريد تقنين حياة البشر، فالأصل في الأشياء الإباحة. والتّحريم مرتبط برفع الضّرر، وحماية البشر. وقد جعل شؤون الدّنيا محلّ اجتهاد وبحث وإبداع، حتّى يترك للعقل البشري فرص العمل وعمارة الكون. وليست العبادة سوى تأكيد لحريّة الإنسان وأمانة الاستخلاف. بل ما ذكر من الاجتهاد والبحث والابداع في شؤون الدنيا جزء من العبادة بمعناها العام ولا يخرج عن الدين كإطار مرجعي ومنظومة قيمية وغاية أخلاقية، وبهذا يكون الدين مغطيا لجميع جوانب الحياة بتعاليمه العامة، وهذا محل اتفاق العلماء كما ذكر ابن عاشور في كتابه مقاصد الشرعية. وليس العلم سوى تجسيم لعظمة الله، وكشف أسرار الخلق، وقديما قال البتّاني(877-918م):« إنّ الإنسان ليصل عن طريق علم النّجوم، إلى برهان وحدة الله، ومعرفة عظمته الهائلة، وحكمته السّامية، وقوّته الكبرى، وكمال خلقه».([7])

إنّ حصر مصطلح الدّين في العبادات أو التّشريع أو الفقه بمفهومه الشّائع، هو بداية التّحريف في كلّ مشروع ثقافيّ. وإنّ إهمال الجانب الغيبيّ في أيّ مشروع ثقافيّ لا يعطي لمؤسّسيه ومعتنقيه البعد الإنسانيّ الحقيقيّ، فالدّين بمفهومه الشّامل مجموعة مبادىء ايجابيّة وواقعيّة، تحفّز كلّ مجموعة بشريّة، على التّعامل مع الكون واستغلاله، حسب المكانة والعلاقة بين العلم الغيبيّ والعلم الطبيعي، أو عالمي الغيب والشّهادة بتعبير القرآن، فإن طغى أحدها على الآخر أو تجاهله تماما، أدّى المشروع الثقافيّ إلى تعطيل فعاليات الإنسان.

 تعمّق علي عزّت بيجوفتش في تحليل هذا الموضوع في كتاب: الإسلام بين الشّرق والغرب، وقد انحاز إلى تأكيد الأبعاد الثقافيّة والرّوحية في الإنسان ورأى:« أنّ كلّ ثقافة مؤمنة في جوهرها، وكلّ حضارة ملحدة، وقياسا على ذلك، فإنّ العلم بينما لا يؤدّي إلى الإنسانيّة، وليس بينه وبين الثّقافة من حيث المبدأ شيء مشترك، فإنّ الدّين في حدّ ذاته لا يؤدّي إلى التقدّم».([8])

تحتاج مصطلحات علي عزّت إلى تحديد ونقد، ويجب أن تُفهم قولته بمعنى أنّ العلم الطّبيعي محايد، لا يرتبط بدين أو مذهب، لأنّه بحث في الطّبيعة المادية وأسرارها. وقد وضّح مصطفى محمود (1921-2009م) طبيعة هذا الحياد، في حكمة بالغة، فقال:«إذا نزل مسلم وكافر إلى البحر، فلا ينجو إلاّ من تعلّم السّباحة، فالله لا يُحابي الجهلاء، فالمسلم الجاهل سيغرق، والكافر المتعلّم سينجو».ولكن دعنا نفهم موضوع الدّين وعلاقته بالعلم والحضارة من خلال القرآن الكريم.    

      

ملامح المشروع الثّقافي الذي قدّمه القرآن الكريم للنّاس

يسمّي القرآن المشروع الثقافيّ طريقةً وسبيلاً وصراطًا، وهي التسميّات المناسبة فعلا، لأنّ كلّ مشروع ثقافيّ هو منهج متّفق عليه، أو طريق تسلكه المجموعة البشريّة للوصول إلى جملة من الأهداف، سواء حدّدتها من قبل، أو تبيّنت لها وهي تسير في ذلك الصّراط. ولكي نفهم طبيعة هذا الصّراط المستقيم أو القويم، وموقف القرآن من مختلف المشاريع الثقافيّة والحضاريّة، نستنطق آياته المعبّرة. قال تعالى:﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (الأنعام:153). وقال أيضا:﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ (الإسراء:9).

نلاحظ أنّ آيات القرآن لا تُنكر وجودَ سُبلٍ وطُرقٍ عديدةٍ اتّبعتها، أو ستتّبعها، المجموعات البشريّة لتنظيم مجتمعاتها وتفسير وجودها، بل إنّها تقرّ أنّ من بين تلك الطّرق والسّبل والمنظومات ما هو قويم، أي على درجة كبيرة من العقل والواقعيّة، إلاّ أنّها تعرض الطّريق الأقوم، أي الأقصر والأسلم، والتي تجعل من العقل والشّرع أساسها وغايتها في المشروع الثقافيّ المسلم. ذلك ما يسمّيه القرآن «الصّراط المستقيم». وإن كان عبد الكريم سوروش (1945-) يتحدّث عن صراطات مستقيمة، ليبلور مفهوم التعدّدية الدينيّة، فإنّ الصّراط المستقيم في المفهوم القرآني، هو مشروع ثقافيّ تولّى تعليم النّاس ما يجهلونه عن الغيب، واهتمّ بتصحيح المفاهيم السّائدة، إمّا بإبطالها تماما أو بإظهار الخطأ والخلل فيها، باتّباع منهجيّة استقرائيّة ومرحليّة تراعي أحوال العباد والمجتمع. يركّز هذا الجانب التّعليمي على المعبود، نظرا لاختلاف البشر فيه، حسب مشاريعهم الثقافيّة السّائدة، فلا أحد ينكر أنّ المعبود هو حجر الأساس ومركز كلّ مشروع ثقافيّ عرفته البشريّة، ذلك هو الدّين ضمن المشروع الثقافيّ الّذي يعرضه القرآن على النّاس. أمّا العلم الآخر الضروريّ للفرد والمجموعة، والّذي يقفز قفزات مهولة من حين إلى حين في فترات متباعدة من التّاريخ، فلا يخلو، عادة، من أيّ مشروع ثقافيّ. وإذا تمعّن الإنسان في بعض المشاريع الثقافيّة التّي أنجزتها البشريّة، لاحظ أنّ العلم المعرفيّ النظريّ والتطبيقيّ، لا يخرج في تلك المشاريع، عن أوضاع ثلاثة: مشروع يجعل العلم المعرفيّ خاصّا برجال الدّين، ومشروع ثانٍ يجعله نتاج العقل، وثالث لا يقبله، لأنّه مناقض في نظره، للعلم الأوّليّ الذي هو الدّين.

وهنا نترك المشاريع الثقافيّة المختلفة، لنحصر اهتمامنا في القرآن باعتباره آخر مشروع ثقافيّ عرضه الله على البشريّة علّنا نكتشف، أو نسلّط بعض الأضواء على العلاقة الحقيقيّة فيه، بين الجانبين من العلم الأوّليّ أو الدّين، والعلم المعرفيّ أو العقل والإنتاج المعرفي والعلمي. قال تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (المائدة:3).

يُروى أنّ يهوديّا قال لعمر بن الخطّاب رضي الله عنه:« في كتابكم آية لو نزلت عندنا لاتّخذنا يوم نزولها عيدا أسبوعيّا».فسأله عمر عنها. فقال اليهوديّ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾. فردّ عمر:«هو يوم الجمعة وهو لنا عيد»!.([9])

لا تهمّ الأسباب التّي دعت ذلك اليهوديّ لاستفزاز الخليفة الرّاشد، وكأنّه لا يعرف من هو عمر في ذكائه وحزمه، فنال ما يستحقّ من إفحام وإسكات. نلاحظ، أوّلا، أنّ مقطع الآية الكريمة: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴾ لم يرد مستقلاّ في آية مفردة، ولا ورد في هذه الآية في أوّلها ولا في آخرها. ورد في وسط الآية ضمن بناء نصّيّ لا يكتمل مضمونه ولا دلالاته، إلاّ إذا أُخذ تامّا وكاملا. وقد صَحَّ أنّ آية إكمال الدّين، نزلت يوم عرفة في عام حجّة الوداع، نزلت بعد آية: اليوم يئس الذّين كفروا من دينكم، بنحو العامين.([10])

إنّ القرآن الكريم جُمع ورتّب كما نعرفه اليوم، منذ زمن عثمان رضي الله عنه، وبما أنّ المقطع كان وقوعه في القرآن، بتوقيف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بجمعها مع نظيرها في إكمال أمر الدّين، اعتقادا وتشريعا، يجعلنا هذا نتساءل: ما علاقة الأجزاء الثلاثة ببعضها البعض؟ ما معنى « أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا»؟

يدخل الجزء الأوّل ضمن العلم الغيبيّ: حرّم الله عزّ وجلّ على المسلمين ما شاء أن يحرّم، ولا فائدة في البحث لماذا حرّم، فالمنع والتّحريم مرتبطان دوما برفع الضّرر عن البشر. والتّحريم تطهير وتنزيه للمسلمين من الرّجس. وإذا تطهّر المسلم في مأكله ومشربه كما أمره ربّه، فإنّ قلبه يكون أقرب إلى النّقاوة، وبذلك يمتلك كلّ قواه العقليّة. أمّا الجزء الثّاني فهو طمأنة إلهيّة للمسلمين أنّ دينهم لن يدخله التّحريف من خارجهم. فما عليهم إلاّ تجسيد المشروع المسلم كاملا، ولن يضرّهم الّذين عارضوهم أو خالفوهم.أمّا الجزء الثّالث فهو عود على بدء: ما حرّم هو حرام، إلاّ أنّ الخالق سبحانه أدرى بما خلق. قد يجد المسلم نفسه «مضْطُرّا فِي مَخْمَصَةٍ»، فإن كان نقيّ القلب سليم السّريرة غير متعمّد: «غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ»، فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ.

فمقطع إكمال الدّين هو حلقة الوصل بين ما قبله وما بعده، وهو نفسه دائريّ اسطوانيّ. جزؤه الأوّل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾ متعلّق بما قبله، وهو خطاب موجّه إلى المسلمين:«أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ». وجزؤه الثّاني:﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ لا علاقة له بما سبق ولا بالماضي، وإنّما هو الباب المستقبليّ المفتوح، فكأنّ الله عزّ وجلّ يحرّض المسلمين على الفعل الحضاريّ. نجد ذلك في مقابلتين في السياق القرآني: الأولى: هي بين الماضي ﴿أَكْمَلْتُ﴾ الّذي صار حاضرا بالظّرف «اليوم» وبين الماضي المطلق ﴿رَضِيتُ﴾ الدالّ على الدّوام والمستقبل. والثّانية: بين التّركيب الإضافيّ «دِينَكُمْ» الّذي لا يعني«الإِسْلاَمَ» وإنّما جزءا من الإسلام، وبين اسم النّوع والعلميّة «دِينًا» الّذي هو أوسع وأشمل بكثير من «دِينكُمْ».وليتّضح الأمر أكثر، من الأحسن أن ننظر في مفهوم الدّين في استعمالات القرآن.

قال تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ (آل عمران:19). وقال أيضا:﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (آل عمران:85(.

في الآية (19) من آل عمران، تأكيد وحصر لما اعتبره الله عزّ وجلّ دينا، وأعطاه اسمًا خاصّا لا ينطبق على غيره هو الإِسْلاَمُ. وفي الآية (85) من آل عمران، تنبيه وتحذير للنّاس: من وقف أمام الله تعالى يوم الحساب، وله دين غير الإسلام، فذلك الدّين مرفوض عند الله. قدم وفد مسيحيّ من نجران على الرّسول، صلّى الله عليه وسلّم، يضمّ أربعة عشر شخصًا، يتقدّمهم حبرهم الأكبر وهو عندهم «السيّد». دخلوا المسجد النبوّي وتكلّم «السيّد» و«العاقب».«فلمّا كلّمه الحبران، قال لهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أسلما! قالا: قد أسلمنا! قال: إنّكما لم تسلما فأسلما. قالا: بلى، قد أسلمنا قبلك! قال: كذبتما! يمنعكما من الإسلام، دعاؤكما لله ولدا، وعبادتكما الصّليب، وأكلكما الخنزير. قالا: فمن أبوه يا محمّد؟ فصمت عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبهما».([11])

تبيّن هذه الواقعة الفرق الشّاسع في دلالة الإسلام، فهذا الوفد المسيحيّ اعتبر معتقده هو الإسلام، أو الرّكيزة الأوّليّة له. فلا فرق، في نظره، بين المسيحيّة التّي يؤمن بها وبين ما جاء به الرّسول الكريم، فالوفد لم يأت، في الأصل، من أجل العلم الغيبيّ، وإنّما لغاية أخرى. أمّا الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، فقد فهم البعد العقائديّ والثقافيّ والحضاريّ في ادّعاء الوفد أو زعمه أو قناعته، لذلك أنهى كلّ حوار. إذ اختلف على الرّكيزة الأساسيّة والمحوريّة في المعبود، وما يتعلّق به، لأنّه مهما كانت غاية الوفد، فهي في الأساس خلط ولبس في المفاهيم. فإذا وقع الاختلاف في دلالة الإسلام، في جانب العلم الغيبيّ منه، كلّه أو بعضه، فهذا يعني الاختلاف في الدّين، لا في جانب ذلك العلم كلّه، أو بعضه، وإنّما في محيط المشروع الثقافيّ كلّه، وأبعاده الإيمانيّة والدنيويّة وفي أغراضه وغاياته.

         حصر وفد نجران مفهوم الإسلام في جانبه العقديّ والطقوسيّ البحت. لم يأت بجديد، لأنّ ذلك هو نفسه ما طلبه زعماء قريش من الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، منذ بداية الدّعوة، وأغروه بأن يجمعوا له ما شاء من المال، وأن يملّكوه عليهم على شرط واحد: «تعبد آلهتنا عاما ونعبد إلهك عاما». وردّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ردّه الحاسم: « معاذ الله أن نُشرك بالله غيره».([12])

فالجانب التعبّدي الطقوسيّ لا يزعج أحدا. أليس ذلك ما قام عليه المشروع الثّقافي السّائد اليوم: «الدّين مسألة شخصيّة، لا دخل له في شؤون الدّولة والمجتمع». فما هو الجانب الّذي أرادت قريش، منذ الدّعوة المحمّديّة، ويريد بعض النّاس اليوم إلغاءه من الإسلام؟ ليس التّوحيد، وليست أركان الإسلام الخمسة، وليس المنهيّ عنه والمحرّم في القرآن. إذ كلّ ذلك يدخل في «لا إكراه في الدّين». فماذا بقي في الإسلام إن لم يكن المنهجيّة العقليّة التي أقرّها والعلم المعرفيّ الماديّ لتحقيق الجانب الغيبيّ وإبرازه حقيقة للنّاس؟ فهل هذا المفهوم الثقافيّ الذي يوازن بين وحدتي الرّوح والجسد ولا يفصل بينهما، وبين وحدتي العلم الغيبي والمادي أو بين الدّين والدّنيا، ولا يرجّح جانبا على آخر في ميزانه ونظرته، هو المقرّر أو السّائد في الفكر الإسلامي؟ وهل مصطلح الدّين في الآيتين السّابقتين وفي القرآن، يعني ذلك العلم الغيبيّ ويقتصر عليه أم يتجاوزه؟

لمعرفة الجواب عن هذا السؤال المهمّ، والاطّلاع على ما ذهب إليه المفسّرون في توضيح الدّين والإسلام، وخاصّة مفهوم إكمال الدّين، اخترنا الاقتصار على ما قاله شيخ زيتوني شهير هو محمّد الطّاهر بن عاشور، أنموذجا للتّفسير السّائد، وما قاله مفكّر معاصر، هو علي عزّت بيجوفتش.

رأي الشّيخ محمّد الطّاهر بن عاشور (1296- 1393هـ/1879-1972م)        

قال ابن عاشور:« والدّين: حقيقته في الأصل الجزاء، ثم صار حقيقة عرفيّة يُطلق على: مجموع عقائد وأعمال يلقنّها رسول من عند الله، ويعد العاملين بها بالنّعيم، والمعرضين عنها بالعقاب. ثمّ أُطلق على ما يشبه ذلك، ممّا يضعه بعض زعماء النّاس من تلقاء عقله، فتلتزمه طائفة من النّاس. وسمّي الدّين دينا، لأنّه يترقّب منه متّبعه الجزاء، عاجلا أو آجلا».([13])

نرى في هذا التّفسير والتّحديد، أنّ الدّين أساسه وغايته الجزاء في الدّنيا والآخرة، عاجلا أو آجلا، وأنّ هذا الجزاء نتيجة لمدى التزام إنسان، بما سمّاه المفسّر مجموع عقائد وأعمال، أي قائمة محدّدة لمعتقدات وتصرّفات أقرّها ذلك الدّين، ولا يجب تجاوزها أو تغييرها، وأنّ تلك القائمة هي تلقينيّة، مصدرها الأصليّ رسول من عند الله.

 

إكمال الدّين وتفعيل قيم المسؤوليّة والاستخلاف

إنّ الأديان الوضعيّة عديدة، يفنَى بعضها، ويبقَى آخر، وتظهر أخرى، ولكنّ دين الله واحد: ﴿إنّ الدّين عند الله الإسلام﴾. فاليهوديّة الحقيقيّة كانت إسلاما في وقتها، والنّصرانيّة الأصليّة كانت إسلاما في وقتها، منذ آدم إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم. وهذا ما كان يقوله موسى لقومه: ﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ﴾ (يونس:84) وهذا ما  كان يقوله سليمان:﴿ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ (النّمل:38). بقي جانب مهمّ، بل هو الأهمّ: ﴿أكملت لكم دينكم﴾.

ماذا تزيد الآية بنزولها في آخر سنة من حياة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم؟ فالصّلاة فُرضت في مكّة، وأكملت بالتوجّه إلى الكعبة في أوّل سنة بعد الهجرة، وكلّ الأقوال والأفعال فيها قد عُلمت وكمل أمرها. كذلك الزّكاة، إذ جمعها الرّسول في السّنة الثّانية أو الثّالثة بعد الهجرة، أي إنّها قد كملت. والصّوم والحجّ لا يخرجان عن ذلك، فلماذا لم ينزل الله عزّ وجلّ هذه الآية قبل ذلك بكثير؟ ألم يكن الله تعالى بقادر أن يكمل كلّ تلك الفرائض التعبّديّة في مكّة، في السّنتين الأخيرتين، أو قبلها، إن شاء؟ نفهم ذلك على أضواء فكرة «تنجيم» القرآن واختياره منهجيّة الترفّق المرحليّة، والتدرّج في تعليم المسلمين الدّين الجديد، وملاءمة أوضاعهم العقليّة السّائدة وعاداتهم الرّائجة.

قال الشّيخ ابن عاشور موضّحا طبيعة هذا التدرّج:« صَارَ مَجْمُوعُ التَّشْرِيعِ الْحَاصِلِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، كَافِيًا فِي هَدْيِ الْأُمَّةِ فِي عِبَادَتِهَا، وَمُعَامَلَتِهَا، وَسِيَاسَتِهَا، فِي سَائِرِ عُصُورِهَا، بِحَسَبِ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ حَاجَاتُهَا، فَقَدْ كَانَ الدِّينُ وَافِيًا فِي كُلِّ وَقْتٍ بِمَا يَحْتَاجُهُ الْمُسْلِمُونَ. وَلَكِنِ ابْتَدَأَتْ أَحْوَالُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ بَسِيطَةً ثُمَّ اتَّسَعَتْ جَامِعَتُهُمْ، فَكَانَ الدِّينُ يَكْفِيهِمْ لِبَيَانِ الْحَاجَاتِ فِي أَحْوَالِهِمْ بِمِقْدَارِ اتِّسَاعِهَا، إِذْ كَانَ تَعْلِيمُ الدِّينِ بِطَرِيقِ التَّدْرِيجِ لِيَتَمَكَّنَ رُسُوخُهُ، حَتَّى اسْتَكْمَلَتْ جَامِعَةُ الْمُسلمين كلّ شؤون الْجَوَامِعِ الْكُبْرَى، وَصَارُوا أُمَّةً كَأَكْمَلِ مَا تَكُونُ أُمَّةً، فَكَمُلَ مِنْ بَيَانِ الدّينِ مَا بِهِ الْوَفَاءُ بِحَاجَاتِهِمْ كُلِّهَا، فَذَلِكَ مَعْنَى إِكْمَالِ الدِّينِ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ. وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الدِّينَ كَانَ نَاقِصًا، وَلَكِنَّ أَحْوَالَ الْأُمَّةِ فِي الْأُمَمِيَّةِ غَيْرُ مُسْتَوْفَاةٍ، فَلَمَّا تَوَفَّرَتْ كَمُلَ الدِّينُ لَهُمْ فَلَا إِشْكَالَ عَلَى الْآيَةِ. وَمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ لَعَلَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَشْرِيعُ شَيْءٍ جَدِيدٍ، وَلَكِنَّهُ تَأْكِيدٌ لِمَا تَقَرَّرَ تَشْرِيعُهُ مِنْ قَبْلُ بِالْقُرْآنِ أَوِ السُّنَّةِ».([14])

تخدم الآية الكريمة جانبا آخر من المشروع الثقافيّ الحضاريّ، وهو العلم الغيبيّ الّذي لا يمكن حصره في الطّقوس التعبّديّة والمنهيّات عامة، أو المنظومة الأخلاقيّة. فعدد الآيات في ذلك الجانب لا يمثّل أكثر من عُشر القرآن الكريم. فلماذا لم يكتف الله تعالى بذلك العدد في القرآن، وقد كان عدد الآيات في التّوراة الكريمة مثله أو يزيد عليه قليلا، كما يفهم من لفظة «الألواح» التي كتبت عليها، وهي اثنتان أو ثلاث، والله أعلم؟

تعلن الآية الكريمة ضمانا وبراءة في الوقت نفسه، فلو لم تنزل، لظهر للمنافقين ولذوي الأهواء دعاوى عريضة من نقص في الدّين أو سعي أو تحريض على إكمال ما نقص. وذلك ما فعل بنو إسرائيل مع كلّ الكتب الإلهيّة السّابقة للقرآن. فالآية إعلان بأن لا يتدخّل المسلمون ولا غيرهم لإكمال الإسلام، فهي رحمة بالمسلمين وبالبشريّة جمعاء. إذن، ما الدّين الّذي أكمله الله للمسلمين؟ هو ذلك الجانب الكبير في المشروع الثّقافي، فليس للمسلمين أن يفكّروا من يعبدون ولا كيف يعبدون ربّهم. فهذا موجود في القرآن، ولا ما هي حقوقهم وواجباتهم في الوجود، وفي المجتمع الإنسانيّ، مع أنفسهم ومع أزواجهم وعائلاتهم ومع جيرانهم، ومع بقيّة الشّعوب، ومع الكون. فالرّكائز الضروريّة مبثوثة في القرآن الكريم. ولا أن يفكّروا في الله ذاته، فما في القرآن شاف وفاصل، ولا حتّى كيف سيحاسبهم الله وما ينتظر كلّ شخص من ذلك الحساب. فقد أُكمل الدّين.

         أخيرا إن اعتقد المسلم أنّ القرآن وحده يكفيه لفهم ذلك المشروع الثّقافي كلّه، فقد قال له القرآن كلاّ، فالرّسول صلّى الله عليه وسلّم جزء لا ينفصل عن القرآن في ذلك المشروع. ويُفهم هذا وفق ثنائيّة الإسلام في الرّبط بين الإلهام والخبرة أو بين الوحي والواقع أو بين المبدأ والممارسة. وكلّ نبيّ أو رسول ومعه أتباعه، يمثّلون التّجربة الإنسانيّة والتاريخيّة في معانقتها للنصّ أو الوحي. فلا وجود للرّهبنة في الدّين بحكم تنزّله في واقع اجتماعي، وإنّما هي هروب من الحياة ومن ممارسة الدّين نفسه.

قد عرّف الله تعالى الدّين بإضافته إلى المخاطبين: «دينكم» تعريفا وتخصيصا لذلك الجانب من العلم الغيبيّ، بما فيه من طقوس تعبّديّة وأحكام تُبرز المنظومة الأخلاقيّة الجديدة، بينما جعل لفظة الإسلام معرفة علميّة، ولفظة دين نكرة مطلقة في عبارة: «رضيت لكم الإسلام دينا» تمييزا للإسلام، وتفريقا له عن المفهوم الشّائع للدّين عند البشر.

فالإسلام دِينًا، هو مشروع مستقبليّ مُجدِّدٌ حقّا، أي مغيِّرٌ للعقليّة ومنهجيّة التّفكير، فقد أعلن الله تعالى أنّه أكمل أركانه العقائديّة والتعبّديّة والأخلاقيّة والتشريعيّة، أي كلّ ما يحتاجه الإنسان من مبادىء عامة حول الكون والحياة، لكن، ليس في القرآن فلاحة ولا طبّ ولا دواء ولا صناعة ولا اقتصاد. فأين هذا الجانب من المشروع الثقافيّ الحضاريّ المسلم؟ تلك هي البداية التّي أعلنها الله بالآية :﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾ وتركه للمسلمين أمانة ومسؤوليّة، كما فعل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، حيث ينتظر القرآن أن يكمل المسلمون المشروع الثقافيّ الحضاريّ، وأن يغيّروا ما وجب تغييره في السياسة والعلم والاقتصاد والصّناعة والطبّ والصّيدلة، دائما في نطاق حدود «الدّين» أي الجانب التعبّدي والشّرعيّ والغيبيّ، لأنّ هذا الجانب يحمي الآخر من الانزلاق، والآخر يحمي الأوّل بالمحافظة عليه. فهما نور فوق نور: نور الوحي ونور العقل. ذلك ما ارتضاه الله عزّ وجلّ للمسلمين، والله يهدي لنوره من يشاء:﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) النّور﴾.

وعندما فهم المسلمون دينهم فهمًا سديدًا، نشروا الهدى لدى أقوام لا علاقة تاريخيّة ولا لغويّة تربطهم بقريش ولا بالعرب، في إفريقيا وأوروبّا وآسيا، ولم يبادر المسلمون بغزوهم أو دعوتهم. من يدري فقد يحقّق بعض الخلف من أولئك المسلمين ذلك المشروع كما أراده الله للبشريّة أو قريبا منه.

 من سيحقّق قول الله تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (فصّلت:53)  أليس العلم والبحث والاختبار والسّعي إلى النّفوذ من أقطار السّماوات والأرض؟ وفي هذا يشترك الجنّ مع الإنس، فالله أعلم بما يَخْفَى عنّا من قضائه وقدره. ولكنّه أكمل كلّ مصادر العلم الغيبيّ، قبل نزول الآية. وبنزولها في آخر سنة من حياة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، طلب من كلّ من يعتنق الإسلام فردا ومجموعة ودولة وأمّة، أن يواصلوا، كلّ في نطاق مشمولاته وقدر استطاعته، واعتمادا على عقله المسلم، ذلك الجانب من حضارة الإسلام، باعتباره مشروعًا ثقافيّا حضاريّا مفتوحًا على المستقبل، وهو المتعلّق بالعلم المعرفيّ الماديّ، في انسجام تامّ بين الجزأين المتلازمين من المشروع. وذلك الدّمج والانسجام هو الإسلام، الذي يؤمن بأنّ الدّين المجرّد يوجد فقط على مستوى الأفكار، ولكنّه عندما ينزل إلى الحياة، يتحوّل إلى اختبار وصراع وتأويل وممارسات شتّى، منها تنشأ العقائد والمذاهب والدّول، والخبرات. قال محمّد إقبال (1877-1938) موضّحًا موقفَ الإسلام في نظرته إلى سنّة التّدافع والكدح الحضاري:« لا يعتبر القرآن الأرض ساحة للعذاب سُجنت فيه إنسانيّة شرّيرة العنصر، بسبب ارتكابها خطيئة أصليّة. فالمعصيّة الأولى للإنسان كانت أوّل فعل له، تتمثّل فيه حريّة الاختيار، ولهذا تاب الله على آدم، كما جاء في القرآن، وغفر له».([15])

 

رأي علي عزّت بيجوفيتش (1925-2003م)

يَعتبر علي عزّت بيجوفيتش الدّين ملهما للإنسان ودافعا للاحسان، فعن طريق الإيمان بالخلود والمطلق، يبني مسيرة موضوعيّة تزدهر فيه القيم الأخلاقيّة والحريّة والإبداع، باعتبار أنّ الفنّ هو ابن الدّين، وإذا أراد هذا الفنّ أن يبقى حياّ خالدا فعليه أن يستقي دائما من المصدر الذي جاء منه.([16])

وللرّبط بين وحدة الدّين والإلهام، يستشهد علي عزّت بالشّاعر الرّوسي فوزنسنسكي (1933-2010) الذي كان يقول دائما: « إنّ كمبيوتر المستقبل، سيكون من النّاحية النظريّة، قادرا على عمل كلّ شيء يقوم به الإنسان، فيما عدا أمرين:أن يكون متديّنا، وأن يكتب شعرا».([17])

وهذا التصوّر يلتقي مع الرّؤية القرآنيّة المزدوجة للدّين، فهو ليس تشريعا إجرائيّا بالمفهوم الأصولي القانوني فقط، وإنّما هو في جوهره سنّة كونيّة حياتيّة ،أو وحدة شعوريّة في أعماق النّفس البشريّة، عبّر عنها القرآن بمصطلح الفطرة، والتي اعتبرها الشّيخ الطّاهر بن عاشور من ركائز مقاصد التّشريع، لأنّ تلك الفطرة في تناغم مطّرد، مع القانون الخارجي، حسب معادلة كانط الشّهيرة .([18])

عرض القرآن لهذه المسألة على مستويين: المستوى الأوّل: هو مستوى التّشريع والقانون:﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾ (الشّورى: 13). ورد في المنتخب في تفسير القرآن الكريم تأليف لجنة من علماء الأزهر الشّرح الآتي:« شرع لكم من العقائد ما عهد به إلى نوح، والذي أوحيناه إليك، وما عهدنا به إلى إبراهيم وموسى وعيسى، أن ثبِّتوا دعائم الدّين، بامتثال ما جاء به، لا تختلفوا في شأنه، شقّ على المشركين ما تدعوهم إليه، من إقامة دعائم الدّين، الله يصطفى لرسالته من يشاء، ويوفّق للإيمان وإقامة الدّين من يترك العناد ويقبل عليه».([19])

ليس هذا الشّرح موافقا لروح القرآن، فالمجال هنا بعيد عن تقرير العقائد، ذلك الموضوع المبالغ فيه في الفكر الإسلامي القديم والحديث. إنّ النسق يحيل هنا إلى الأوامر والتّوصيات والتّشريعات التي تصبّ في خدمة الإنسان وتهذيبه، وضبط المجتمع ومناعته باعتبارها قانونا خارجيا. أمّا المستوى الثاّني الذي يركّز عليه القرآن، وهو مكمّل ومنسجم مع الأوّل، بل يسبقه من حيث الكيان والوجدان، فهو القانون الدّاخلي أو التّركيبة الإنسانيّة في لحمها ودمها وجيناتها وغرائزها: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) سورة الرّوم ﴾. قال الإمام الألوسي (1802-1854م) في شرحها: « والمراد بفطرهم على دين الإسلام، خلقهم قابلين له، غير نابين عنه، ولا منكرين له، مجاوبا للعقل، مساوقا للنّظر الصّحيح، حتّى لو تركوا، لما اختاروا عليه دينا آخر».([20])

فالدّين على هذا الأساس فطرة وشعور من الدّاخل، وتشريع وقانون من الخارج. وعلى هذا المقتضى لا يمكن لهذه الهيئة أو الخلقة في النّفس المتمكّنة، المهيّأة للتّمييز بين مصنوعات الله وثوابت الحال، وشوارد الوساوس، أن تخضع للخطأ المقيم. فلا تبديل لخلق الله الدّائم، ولا تغيير لأمر العقل الاستدلالي الذي لا عوج فيه، ولا يخضع لكسب لئيم، ولا اختيار عقيم، إلاّ بمقدار تكدّر الفطرة عندما تعتورها مفاسد البيئة وحُجب التّقليد البليد. وهي لا محالة راجعة الى فطرتها الرّشيدة عند الشدّة. ولذلك جاء السّياق القرآني موضّحا ومكمّلا طبيعة تلك الفطرة، التي تتجلّى وقت الضرّ، حيث لا مفرّ: ﴿وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ (سورة الرّوم:33).

لا يمكن التّعبير عن الإنسان بلغة المعادلات، فالدّين والفنّ والأدب والموسيقى، قوى فطريّة متلاحمة، تربط بنية الإنسان وبناء المجتمع، وتعبّر عن نفسها بالمواقف والانفعالات. ولا يمكن أن ننتزع من الإنسان دينه وأشواقه وتطلّعاته وانفعالاته، والدّين ليس معطى حضاريا يمكن إبرازه أو الاستغناء عنه، وفق سياسة تعليميّة أو برامج اقتصادية. إنّه يعلو على الأيديولوجيا، لأنّه ليس عقيدة مرتّبة أو منظومة مصنوعة، فهو لا ينفكّ عن الإنسان ما دام إنسانا، يكتب الشّعر ويغنّي ويتأمّل. فإذا ما تحوّل إلى آلة «روبوط» فعندئذ يسقط عنه الدّين والشّعر والإبداع والتّكليف، وتموت فطرته المتدفّقة المتلجلجة في بواطن الشّعور والوجدان.

عقد علي عزّت مقارنة بين ثلاثيتين: الأولى تشمل الإنسان والمادّة والرّوح، والثّانية تشمل الإنسان والحضارة والثّقافة. ومن الواضح أنّ الحضارة والتقدّم والسّياسة والعلم والإنتاج تنتمي إلى الثلاثيّة الأولى، أمّا الدّين والفنّ والضّمير والحبّ والصّلاة فتنتمي إلى الثّانية. فالإنسان يقف في الوسط أمام ثنائية ذات قطبين مادي ومعنوي، والفصل بينهما خطأ منهجي جسيم، لا يعبّر عن روح الدّين. ومن مظاهر النّظرة التوحيديّة في الدّين، عدم التجزئة بين آيات الله. فالقرآن آيات والكون آيات.قال علي عزّت: «اتّجهت الآيات (القرآنيّة) بكلّيتها إلى الطّبيعة، ونجد فيها تقبّلا كاملا للعالم، ولا أثر فيها لأيّ نوع من الصّراع مع الطّبيعة. فالإسلام يبرز ما في المادة من جمال ونبل، كما هو الحال بالنّسبة للجسم في موقف الصّلاة، والممتلكات في الزّكاة. إنّ العالم المادي ليس مملكة للشّيطان، وليس الجسم مستودعا للخطيئة. حتّى في عالم الآخرة، وهو غاية آمال الإنسان وأعظمها، صوّره القرآن مغموسا بألوان هذا العالم. ويرى المسيحيّون في هذا حسيّة تتنافى مع عقيدتهم، ولكنّ الإسلام لا يرى العالم المادي مستغربا في إطاره الرّوحي».

 


 

 

قائمة المصادر والمراجع

1- صحيح البخاري، طبعة دار ابن كثير، بيروت، 1407هـ.

2- برغسون، منبعا الأخلاق والدّين، ترجمة: سامي الدّروبي، الهيئة المصريّة العامّة للتأليف، القاهرة،1971م.

3- علي عزّت بيجوفيتش،الإسلام بين الشّرق والغرب، مؤسّسة العلم الحديث، الطّبعة الأولى، بيروت، 1994م.

4- أبو بكر البيهقي(ت: 458هـ): السّنن الكبرى، دار الكتب العلميّة، لبنان،1424هـ.

5- شهاب الدّين الألوسي (1217- 1270هـ) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم. تحقيق: علي عبد الباري عطّية، دار الكتب العلميّة، بيروت. الطبعة الأولى، 1415هـ.

6- محمد إقبال، تجديد التّفكير الدّيني في الإسلام. ترجمة: عبّاس محمود. مطبعة لجنة التأليف والتّـرجمة والنّشر، القاهرة، 1955م.

7- محمّد عبد الله دراز، الدّين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان، دار القلم، الكويت،1394 /1974م.

8- محمد الطّاهر بن عاشور، تفسير التّحرير والتّنوير، الدّار التّونسية للنّشر، تونس، 1984م.

9- ابن عجيبة (ت: 1224هـ) تفسير البحر المديد، نشرة:حسن عباس زكى ،القاهرة ، 1419هـ.

10- ابن هشام (ت: 213هـ) السّيرة النبويّة، تحقيق: مصطفى السقّا، مكتبة مصطفى البابي الحلبي بمصر، الطّبعة الثّانية، 1375هـ / 1955م.

11- زغريد هونكه، شمس الله تسطع على الغرب. دار الآفاق الجديدة، بيروت،1401ه/1981م.

12- أبو الحسن النّدوي، نحو التّربية الإسلاميّة الحرّة. دار الإرشاد، الطّبعة الأولى، بيروت 1388هـ/1969م.

[1] - محمّد عبد الله دراز، الدّين: بحوث ممهّدة لدراسة تاريخ الأديان. دار القلم، الكويت، 1394ه/1974م، ص 175.

[2] - أبو الحسن النّدوي: نحو التّربية الإسلاميّة الحرّة. دار الإرشاد، الطبعة الأولى، بيروت، 1388هـ/1969م، ص35.

[3] - عبد الرّاضي محمّد عبد المحسن: الوحي القرآنيّ في الفكر اللاّهوتي، ندوة القرآن في الدّراسات الاستشراقيّة، المدينة المنوّرة، شوّال 1427ه/2006م. ص1.

[4] - المرجع نفسه، ص 2.

[5]  - علي عزّت بيجوفيتش، الإسلام بين الشّرق والغرب، مؤسّسة العلم الحديث، الطّبعة الأولى، بيروت، 1994م، ص 60. أمّا برغسون فقد قال:« لقد وُجدت ولا تزال حتّى الآن مجتمعات إنسانيّة بدون علم ولا فنّ ولا فلسفة، ولكن لم يوجد مجتمع إنساني بدون دين».انظر: برغسون، منبعا الأخلاق والدّين، الهيئة العامّة للتّأليف والنّشر، القاهرة، 1971م، ص 105.

[6]  - أبو بكر البيهقي(ت: 458هـ) السّنن الكبرى، دار الكتب العلميّة، لبنان،1424هـ،2/607. وانظر: مصنّف ابن أبي شيبة 15/440، وسنن أبي داود،1/132، رقم: 489. وحديث: "المؤمن لا ينجس" متّفق عليه.أخرجه البخاري،1/ 80، والتّرمذي ،1/ 207، طبعة أحمد شاكر. وأحمد،2/235.وليس شيء أكرم على الله من المؤمن،التّرمذي في باب ما جاء في تعظيم المؤمن، وأخرجه النّسائي بلفظ: قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدّنيا، وابن ماجة: بلفظ: لزوال الدّنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حقّ. عَنِ النَّبِيِّ  صلّى الله عليه وسلّم،قَالَ:« لَزَوَالُ الدُّنْيَا، أَهْوَنُ عِنْدَ اللهِ، مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ».أخرجه الترّمذي والنَّسائي، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍ، قَالَ:« قَتْلُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا» وهدم الكعبة حجرا حجرا أهون من قتل المسلم،رواه الطبراني في الصّغير عن أنس رفعه: من آذى مسلما بغير حقّ فكأنّما هدم بيت الله، نظر صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة فقال: لقد شرّفك الله وكرّمك وعظّمك، والمؤمن أعظم حرمة منك. وحديث: لا تطروني، رواه الدّارمي في السّنن، دار الكتاب العربي، بيروت1407هـ، 2/412. وانظر: صحيح البخاري، طبعة دار ابن كثير، بيروت، 1407هـ.3/1271.

[7]  -  زغريد هونكه، شمس الله تسطع على الغرب، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الخامسة،1401ه/1981م. ص111.

[8]  - علي عزّت، الإسلام بين الشّرق والغرب، ص 40. سبق ذكره.

[9]  - صحيح البخاري، دار طوق النّجاة، الطّبعة الأولى، 1422ه/2001مـ.1/18.

[10] - محمد الطّاهر بن عاشور: تفسير التّحرير والتّنوير، الدّار التّونسيّة للنّشر، تونس، 1984م. 6/70.

[11]  - ابن هشام (ت: 213هـ) السّيرة النبويّة، تحقيق: مصطفى السقّا، مكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر،الطّبعة الثّانية، 1375هـ/ 1955م.1/575.

[12]  - ابن عجيبة (ت: 1224هـ) : تفسير البحر المديد، نشرة :حسن عباس زكى، القاهرة ، 1419هـ. 7/363.

[13]  - التّحرير والتّنوير، 3/188. سبق ذكره.

[14]  -  تفسير التّحرير والتّنوير، 6/103. سبق ذكره.

[15]   - محمد إقبال، تجديد التّفكير الدّيني في الإسلام. ترجمة: عبّاس محمود. مطبعة لجنة التّأليف والتّرجمة والنّشر، القاهرة، 1955.ص 99.

[16] - علي عزّت، الإسلام بين الشرق والغرب. ص 148.سبق ذكره.

[17] - المرجع نفسه. والشّاعر المذكور هو: اندري فوزنسنسكي (André Voznessenski)

[18] - قال كانط: «شيئان ما انفكّا يثيران في نفسي الإعجاب والاحترام: السّماء ذات النّجوم من فوقي، وسموّ الأخلاق في نفسي» .

[19] - المنتخب في تفسير القرآن الكريم. تأليف: لجنة من علماء الأزهر، المجلس الأعلى للشئون الإسلاميّة، مصر، طبع مؤسّسة الأهرام. الطّبعة الثامنة عشر، 1416هـ/ 1995م. ص274.

[20] - شهاب الدّين الألوسي (1217- 1270هـ): روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسّبع المثاني. تحقيق: علي عبد الباري عطّية، دار الكتب العلميّة، بيروت. الطبعة الأولى، 1415هـ، ص 407.

 

%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%ad%d8%b3%d9%86-%d8%a8%d8%af%d8%b1%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86

الدكتور محمد حسن بدرالدين

كاتب وباحث تونسي، متخصّص في التّربية والفكر الإسلامي. حاصل على بكالوريوس الآداب، والأستاذية في العلوم الإسلامية، والماجستير والدكتوراه في أصول الدين ومقارنة الأديان. مارس التدريس والإشراف التربوي والإدارة، وأسهم في التأليف المدرسي. نشر عدّة أبحاث ودراسات أدبيّة وتربوية وفكريّة في مجلاّت ودوريّات عربيّة متنوّعة.

أضف تعليقاتك

Your email address will not be published*

التعليقات

السلام عليكم ورحمة الله ما تعرضونه في الموقع ليس مقالات وخواطر بل هي دراسات وبحوث عميقة جدا وموثقة بالهوامش والمراجع ومكتوبة بطريقة علمية ولغة قوية . نشكركم كثيرا على هذه البحوث الهامة ونرجو الاكثار منها . وجزاكم الله كل خير

السلام عليكم شكرا لكم على نشر مثل هذه البحوث العميقة، فنحن في حاجة إلى فهم معنى إكمال الدين ونرجو ان تنشروا بحثا حول فلسفة ختم النبوة ومعانيها ولكم كل التقدير

تمتّعت بقراءة هذا البحث وكل البحوث الموجودة على الموقع. وقد لاحظت أن البحوث المنشورة ذات طابع علمي عميق وذات مواصفات عالية من حيث اللغة والأفكار.نشكركم على هذه الاختيارات الموفقة.ولكن نتعجب كثيرا من العدد القليل من الدراسات المنشورة على الموقع .هل السبب تقني أم مادي؟ وددت شخصيا أن يكون موقع بهذه الأهمية مليئا بالدراسات والبحوث الاسلامية على غرار بحث الدكتور محمد حسن بدرالدين حول مبدأ إكمال الدين ةبنية المشروع الثقافي الاسلامي.وتمنيت لو نجد متابعات عن الكتب والتعريف بالشخصيات الاسلامية وتقديم مباحث حول التشريع والأخلاق التي هي ركيزة هذا المركز. وشكرا على الجهود المبذولة لا محالة.

المشروع الثقافي الاسلامي هو الموضوع المهمل في الدراسات الاسلامية المعاصرة التي ركزت على الفقه اكثر من الحضارة وعلى الجدل اكثر من الفعل. نحن بحاجة أكيدة إلى مشاريع ثقافية اسلامية حضارية تهتم بالعلوم والمعارف الحديثة مع الاستلهام من روح القرآن. واحسن الكاتب اذ أشار الى محمد إقبال وعلي عزت بيجوفتش . وكان من الممكن الحديث عن محمد عبده وطه عبدالرحمن ومالك بن نبي وغيرهم من المفكرين المسلمين للتعريف بهم وبآرائهم حتى لا يقول بعض الجاحدين: أين هو الفكر الاسلامي المعاصر؟

السلام عليكم ورحمة الله نعم أزمة الإيمان مرتبطة بعدم فهم القرآن ومراميه وأهدافه. وأهم تلك الأهداف تحليل مفهوم انتهاء الوحي. فقد ظنّ كثير من الناس أنّ لنقطاع الوحي في العصر الحديث دليل أنه ارتبط بالعصور القديمة فقط ولا بدّ هنا من الاستعانة بمحمد إقبال الذي فسر مدلول ختم النبوة، وقد فعل الباحث خيرا حين أشار إلى إقبال وعلي عزتبيغوفيتش فكلاهما توسع في شرح مقتضيات الإيما ورسالة القرآن. شكرا لكم انشر مثل هذه البحوث وشكرا للكاتب والسلام عليكم ورحمة الله.

تحدّث الباحث عن المشروع الثقافي الاسلامي وركز على العقيدة والفكر ولكن الموضوع يحتاج الى اسهامات أخرى تتعلق بالجوانب اللآتية: - المسألة السياسية - المسألة الاقتصادية - المسألة الاجتماعية - المسألة الأخلاقية والتشريعية وهذا ما يهتم به المركز فشكرا لكم على هذه البحوث القيمة ونتمنى المزيد في الجوانب الأخرى

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

اشترك في نشرتنا الإخبارية

إدارة اشتراكاتك في الرسائل الإخبارية
اختر نشرة أو أكثر ترغب في الاشتراك فيها، أو في إلغاء اشتراكك فيها.
حتى تصلكم رسائل بآخر فعالياتنا وبمستجدات المركز

عنوان البريد الإلكتروني للمشترك

Copyright © 2011-2024 جميع الحقوق محفوظة مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق