الكرامة الإنسانية وتطبيقاتها في القضايا الطبية

الكرامة الإنسانية وتطبيقاتها في القضايا الطبية: الجزء الأول

الكرامة الإنسانية وتطبيقاتها في القضايا الطبية: الجزء الثاني

الكرامة الإنسانية وتطبيقاتها في القضايا الطبية: الجزء الثالث

 

الدكتور غياث حسن الأحمد[1]

 

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على محمد وعلى آله الطيبين.

أما بعد؛

فإنّ مبدأ الكرامة الإنسانية يعتبر أحد أهم حقوق الإنسان، وهو صفة لازمة له، لا تفارقه ولا يفارقها. وإنّ أيّ تصرّف أو سلوك، ينبغي أن ينطلق من هذه المبدأ، وأن يسير معه أينما ذهب، وحيثما حلّ. والإنسان بذاته، كحامل لقيمة الكرامة هذه، يجب أن يحترم كرامة الآخرين، منطلقاً بتصرفاته منها، ومحترماً لها في كل معاملاته. وهو أحد المبادئ العالميّة المتعارف عليها، بين الأمم والشعوب.

ورغم هذا الإجماع فقد تنوعت الرؤى حول هذا المبدأ، وتعدّدت الآراء حوله، وخصوصاً حول مصدره، وأبعاده، وفيما إن كان محصوراً في الإنسان كأشرف المخلوقات، أم يشاركه فيه غيره.

وفي ظل بروز مبدأ الكرامة الإنسانية في العديد من القوانين والدساتير و الأنظمة الصادرة عن المؤسسات والمنظمات الدولية، مع عدم وجود دراسة مقارنة بين الفهم الصادر عن المدارس الغربية وبين الفهم الإسلامي لموضوع الكرامة الإنسانية؛ فإنه من الأهمية بمكان إجراء أمثال هذه الدراسة لتوضيح مدى التطابق أو الاختلاف بين الفهمين.

ومن هنا فإنّ هذا البحث يهدف إلى إجراء استعراض مقتضب لرؤى المدارس الفلسفية الغربية المختلفة لمبدأ الكرامة الإنسانية، ومن ثمّ توضيح وجهة نظر الشريعة الإسلامية نحوه، مع موازنة ومحاولة استقراء وجوه التشابه والاختلاف.

ويبدأ البحث بمعالجة مفهوم الكرامة الإنسانية وفق النظريات الفلسفية الغربية المختلفة كما ذكرته الكتب الفلسفية الصادرة عن أهم المدارس الفلسفية في هذا المجال. ثم تمت محاولة استنباط الفهم الإسلامي عبر مراجعة ما ورد في القرآن الكريم والسنّة المطهّرة، وأقوال المفسرين والفقهاء. كما تمّ توضيح الفهم الإسلامي للكرامة الإسلامية عبر مراجعة بعض الفتاوى الصادرة حول بعض القضايا الحيوية والطبية المعاصرة.

ويتعرض البحث لمفهوم الكرامة الإنسانية وكيف أن الكرامة متأصّلة في بناء الإنسان. ثم يبحث الكرامة الإنسانية في الفكر الفلسفي الغربي، ونميّز هنا بين نوعين من النظريات: النظريات التي تعترف وتلتزم بالكرامة الإنسانية، والنظريات التي تناقض مفهوم الكرامة الإنسانية أو تضع لها حدوداً وقيوداً. ثم ننتقل بعد ذلك لتوضيح الرؤية الإسلامية لمبدأ الكرامة الإسلامية، والأسس التي قامت عليها هذه الرؤية. ونذكر أخيراً أمثلة عملية لانعكاس مفهوم الكرامة الإنسانية على بعض القضايا الطبية والحيوية المعاصرة، مع توضيح وجهة النظر الإسلامية نحوها. ونختتم بذكر أهم النتائج و الملاحظات.

 

الكرامة الإنسانية، تعريفها ومفهومها

إنّ مفهوم الكرامة الإنسانية هو مفهوم دقيق، وغامض، لا نكاد نجد له تعريفاً يحيط به، أو يحدّد أبعاده. ولكن يمكن القول أن الكرامة الإنسانية، عبارة عن قيمة داخلية، تجعل الإنسان يشعر بالمساواة مع الآخرين. ومن المجمع عليه أن الكرامة الإنسانية تناقض أشياء أخرى، مثل: التعذيب والشتم والمعاملة المهينة. والكرامة الإنسانية، تعني أن نعامل الإنسان على أنه غاية بنفسه، وليس وسيلة أو أداة. فالإنسان ليس شيئاً، ولا يقارن بشيء؛ ومن هنا وجب التمييز بين مفهوم الشخص وبين مفهوم الشيء. والكرامة الإنسانية هي مبدأ ثابت، لا ينقص ولا يصحّ التنازل عنه، ولو بالرضا. وهو أحد المبادئ العالميّة المتعارف عليها، بين الأمم والشعوب، فنُصّ عليه في القوانين واللوائح، وورد ذكره في الوثائق العالمية حول الأخلاقيات الحيوية، مثل وثيقة اليونسكو، وغيرها؛ وأمرت به الأديان والشرائع.

الإنسان يحمل قيمة أساسية بذاته، لمجرّد كونه إنسان؛ وأي تصرّف أو سلوك نحوه، ينبغي أن ينطلق من هذه القيمة الذاتيّة، وأن يسير معها أينما ذهب، وحيثما حلّ. والإنسان بذاته، كحامل لقيمة الكرامة هذه، يجب أن يحترم كرامة الآخرين، منطلقاً بتصرفاته منها، ومحترماً لها في كل معاملاته.

والضابط الرئيسي في احترام كرامة الإنسان، هو احترامه كإنسان، وليس لما يملكه من جاه أو مال، وليس لما يتمتّع به من صفات جسمية أو عقلية، وليس لما يتّصف به من مواهب وعطاءات. وكلّ الفروق البيولوجية والتاريخية بين الناس، هي فروق وهمية، لا أثر لها في قضية تمتّع الناس بنفس الدرجة من الكرامة.

والكرامة الإنسانية، هي أصل وقاعدة ومنطلق حقوق الإنسان، فمن ذلك وجوب إخباره بكل ما يحقّ له معرفته من شؤونه، ووجوب تمكينه من اتخاذ قرارته بشكل مستقل، وحقّه بتنفيذ رغباته في آخر لحظات عمره. وهي كذلك مصدر ليتلقّى الإنسان الاحترام والاعتبار من الآخرين.

وتزداد كرامة الإنسان أهميّة وضرورة، في حال الضعف الانساني عندما يكون هذا الإنسان معرّضاً للانتهاك والاعتداء، مما يوجب توفير الحماية له، بالوجه الذي يمنع عنه أيّ أذى، يثلم كرامته وحقوقه، كما هو حاله في صغره، يوم أن كان ضعيفاً، أو في كبره حينما عاد إلى ضعفه. قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ [الرّوم: 54]. وكذلك الأمر، يتوجب الانتباه إلى حالات مخصوصة، يمكن أن يغفل عنها الإنسان، كما هي الحال لدى الإجهاض، حينما يكون الإنسان جنيناً في بدء تخلّقه، فيُعمد إلى إسقاطه دون عذر موجب يستدعي ذلك، وفي ذلك هدر لكرامته كجنين إنساني. وكذلك حينما نقف أمام مرضى خارت قواهم، وغابت عقولهم، كنزلاء وحدات العناية المشدّدة، حينما يكونون تحت جهاز التنفس الصناعي؛ وكمرضى العته الشيخي، ممن فقد قدرته على المحاكمة العقلية، وعلى اتخاذ القرارات؛ أو عندما يقف الطب عاجزاً أمام مرضى بأمراض لم يتوصل إلى علاجها فأنهكتهم، ولم يعد أمام أطبائهم إلا علاجاً تلطيفياً يقدّمونه ويسعون إليه. وتثير مسألة الاستنساخ وجهاً آخر من وجوه الانتباه لكرامة الإنسان في هذا الموقف الدقيق.

ولمفهوم الكرامة الإنسانية، الذي ينعكس على شكل استحقاق الإنسان للتقدير والاحترام من قبل الآخرين، بعدان اثنان، أولهما موقعه المتميز كفرد في المجتمع، يستحق التكريم والتشريف، ويتوجب عليه الواجبات واحترام الآخرين. وثانيهما: قيمته الداخلية كإنسان مستقل بذاته عن المجتمع. وأول البعدين يتأثّر بقيم المجتمع الذي يحيا فيه، والدّين والأعراف والتقاليد التي يحياها المرء في موطنه. فيما يتجاوز الثاني البعدَ الوطني والقومي والإقليمي إلى النطاق العالمي، كفرد في الإنسانية، حيث تشكل الكرامة خصيصة من أهم خصائص الشخصية الإنسانية. ولما توافقت الآراء على أنّ كرامة الإنسان عبارة عن قيمة ذاتية، مندمجة فيه، لا تغادره، ولا يملك عنها فكاكاً، برز التساؤل عن مصدر هذه الكرامة، وعن منبعها الأصيل!

رغم أن الفكرة الأساسية للكرامة الإنسانيّة تدور ببساطة حول قيمة الإنسان كإنسان، فإنّ الغوص في معناها الدقيق، يثير الكثير من الجدل بين الآراء المتعارضة. حيث يستخدم مبدأ احترام كرامة الإنسان كمبرّر أخلاقي للكثير من الأحكام. فبعض البلدان التي تشرّع اللجوء إلى إنهاء الحياة أو الانتحار بمساعدة الطبيب (أو ما أصبح يُعرف في العالم الغربي بقتل الرحمة)، تستند في ذلك إلى وجوب احترام رغبة المريض وعدم التأثير في استقلاليّة قراراته؛ غير أنّ هذا ليس صحيحاً مطلقاً، لأنّها تحمل في طيّاتها انتقاصاً من كرامة الضعفاء والمرضى والعجزة، الذين اُستغلّ ضعفهم، وأمكن ممارسة الضغوط عليهم، بشكل غير مباشر من المجتمع والمحيطين حولهم، فلجؤوا إلى اتخاذ قرارات لم يكونوا ليختاروها لو أنهم كانوا بكامل قوّتهم، وعنفوان شبابهم. ومثال آخر على التناقض المثير للجدل في فكرة الكرامة، هو أنّ احترام كرامة الإنسان يستلزم مداواة المريض، والبحث عن جميع أنواع العلاجات التي توصل لشفائه؛ ولكن حينما يأتي العلاج الممكن الوحيد عبر إجراء استنساخ لخلايا جنينيّة، فيحدث صراع بين فكرتين، تقول إحداها: بوجوب استخدام العلاج مهما كان مصدره، مادام يحمل في ثناياه الدواء و الشفاء، فيما تقول ثانيتهما: إنّ إنتاج خلايا إنسانيّة في شكلها الجنينيّ، ومن ثمّ تدميرها ببساطة بعد الانتهاء منها، هو إهانة لمصدر هذه الخلايا، الذي هو الإنسان ذاته، وبالتالي هو إهانة لكرامة الإنسان.

1- ولكن ماهي الكرامة الإنسانية؟

لقد جرى استخدام تعبير الكرامة الإنسانية، بشكل متكرّر في أنواع مختلفة من الوثائق والدّساتير في كثير من البلدان، سواءً الوثائق العامّة، أم تلك المخصّصة للأخلاقيّات الحيويّة. كما جرى النصّ على مبدأ احترام كرامة الإنسان في الوثائق الدّوليّة ذات الصّلة، كما في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر عام 1948، الذي نصّت مادته الأولى أن الناس جميعاً ولدوا متساوو الكرامة الإنسانية.[2]

وتعكس هذه الوثائق المعنى الأساسي للكرامة الإنسانيّة، باعتبارها سمة ثابتة لجميع البشر، وتبيّن مدى أهميتها. وتأتي كلمة الكرامة باللغة الإنكليزية dignity من كلمة لاتينية هي dignitas (قيمة) أوdignus (تستحق)،[3] مما يوحي بأن الكرامة تشير إلى المعيار الذي ينبغي أن ينظر من خلاله إلى الناس وأن يُعاملوا من خلاله، كما تشير كلمة "الكرامة" باللغة العربية إلى العزازة والقيمة، ويقال أكرمه أي أعظمه ونزّهه.[4]

وعلى الرغم من سيطرة فكرة المساواة على مبدأ الكرامة، فإنّ التاريخ يذكر لنا أنّ المساواة لم تكن تنطبق دوماً على مفهوم الكرامة الإنسانية. إذ ارتبطت الكرامة بالقوة الجسدية أحياناً، وبالجاه والمال أحياناً، وبالذكاء والتفوق الفكري و العقلي أحياناً أخرى. فعنترة بن شدّاد على سبيل المثال انتقل من الذّلّ إلى التكريم بقوة جسده وشدّة بطشه، وكان حاتم الطّائي مكرّماً لماله وجاهه وكرمه، فيما كرّم الناس الشافعي لعلمه ونبوغه. فهذه النماذج يُنظر إليها على أنها أكثر كرامة من عامّة الناس. وفي الواقع هذا الأمر ما يزال مستمرّاً حتى يومنا هذا، من خلال تكريم أشخاص يتمتّعون بصفات شرفية أكبر. ومن هنا فإن الكرامة تزيد وتنقص، ويمكن أن تُبنى وأن تزول. يقول الشاعر:

العلم يرفع بيوتاً لا عماد لها               والجهل يهدم بيوت العزّ والشرف

ولكن يجب أن نميّز بين وجود الكرامة، من جهة، وبين إدراكها والاعتراف بها وفقهها، من جهة أخرى. فالأشخاص سابقو الذكر، لم يكونوا أكثر كرامة من غيرهم، ولكنهم تلقّوا اعترافاً بكرامتهم، واحتراماً أكبر مما تلقّاه من كانوا حولهم. وربما لا يكون الشخص على بيّنة من وجود الكرامة، على الرغم من امتلاكه لها؛ كمن يعمل عملاً يأنف منه الناس، أو كمن كان فقيراً محتاجاً. وقد لا يحترم المرءُ الناسَ في مجموعة معيّنة أو قد يعاملهم باستعلاء ودون كرامة، على الرغم من تمتّعهم بها؛ كمعاملة مدير لموظفيه، أو مدرّس لطلابه. وبالتالي فإنّ عدم الإحساس بالكرامة، أو عدم تلقّي الاحترام من الآخرين، لا ينفي الكرامة ولا يلغيها. فالكرامة قاسم مشترك بين جميع البشر، بين الغنيّ والفقير، والمدير وموظّفيه، والمدرّس وطلابه.

وتأخذ ممارسة الكرامة الإنسانية، في الحياة العمليّة، من خلال اعتبارها إحدى الفضائل، أنماطاً متنوّعة. فعلى سبيل المثال، يمكن إظهار كرامة الإنسان من خلال سلوك تكريم كما مرّ أعلاه. ويمكن القول أنّ أناساً معيّنين يتمتّعون بالكرامة، أو أنّهم مكرّمون من خلال الإشادة بمواقفهم الشجاعة ومواجهتهم الشدائد، أو الاعتراف بفضلهم وسموّ أخلاقهم، وذكر إنجازاتهم. ومع ذلك، فإّن فضيلة الكرامة الإنسانية يمكن أن تشير إلى قدرة الشخص على الاعتراف بكرامته وكرامة الآخرين، والإحساس بها، ثم العيش وفقاً لمعيار معين من الكرامة الإنسانية. ومن ثمّ فلا ينبغي فقط، اعتبار الكرامة مفهوماً مجرّداً، بل لا بدّ من الممارسة العملية لهذا المفهوم، وتطبيقه في الحياة اليومية.

وينظر معظم المفكّرين إلى الكرامة الإنسانية من خلال أحد منظورين أساسيين. ففيما يعتبرها البعض جزءاً صميميّاً مندمجاً وذائباً في الخصائص المميّزة للكائن البشري، لا يفقدها ولا تفارقه ولا تُنزع منه؛ يعتبرها البعض الآخر ملحقةً بخصائص الإنسان، تهجره أو يهجرها، أو تُهجّر عنه. غير أنه حينما يتمّ إرجاع الكرامة الإنسانيّة إلى خصائص بشريّة معيّنة فإن بعض الصعوبات يمكن أن تظهر على السطح؛ وبالتالي قد يكون من الأفضل إرجاع الكرامة إلى الإنسان ذاته، وليس إلى خصائصه. ويمكن أن يجري ذلك من خلال التركيز على الأساس، الذي تقوم عليه جميع خصائص الإنسان، وهي الشفرة الجينية البشرية.[5] وفي هذا الصدد، يؤكّد الإعلان العالمي بشأن المجين البشري وحقوق الإنسان الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) عام 1997، على سبيل المثال، على أنّ جميع البشر متساوون في الكرامة، بسبب الوحدة الأساسية التي يقدّمها الجينوم البشري.[6]

 


 

[1] - مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية، الشئون الصحية للحرس الوطني، الرياض، المملكة العربية السعودية

[2] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 217 أ (د-3)، 10 كانون الأول/ديسمبر 1948، في http://huquqalinsan.com/

[3] The American Heritage, Dictionary of the English Language, Fourth Edition, 2000 by Houghton Mifflin Company. Updated in 2009. Published by Houghton Mifflin Company.

[4] ابن منظور أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الأفريقي المصري (-711 هـ/1311 م)، لسان العرب، بيروت، دار صادر، الطبعة الأولى، د.ت، 15 جزءاً، 5/13.

[5] Knoppers, Bartha M. 1991. Human Dignity and Genetic Heritage. Ottawa: Law Reform Commission of Canada

[6] الإعلان العالمي بشأن المجين البشري وحقوق الإنسان، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، 1997 في:

http://unesdoc.unesco.org/images/0011/001102/110220ab.pdf#page=50

الكرامة الإنسانية وتطبيقاتها في القضايا الطبية: الجزء الأول

الكرامة الإنسانية وتطبيقاتها في القضايا الطبية: الجزء الثاني

الكرامة الإنسانية وتطبيقاتها في القضايا الطبية: الجزء الثالث

 

الكرامة الإنسانيّة في الفكر الفلسفي الغربي

تُبدي النظريات الأخلاقية الغربية المتنوّعة اختلافاً بيّناً فيما بينها في نظرتها إلى مفهوم الكرامة الإنسانية، أبعادها ومصدرها وأثره في الحوادث اليومية. ففيما تتفق بعض هذه النظريات مع مفهوم الكرامة الإنسانية وتقبله وتتبناه في ثوابتها، تكاد بعض النظريات أن ترفضه، وتبدي تناقضاً حقيقياً معه. كما هي الحال في النظريّة النّفعية، وبعض علماء الاجتماع وبعض علماء السلوك وما بعد الحداثيين. ويمكن استعراض مواقف هذه النظريات من موضوع الكرامة الإنسانية، على النحو التالي:

1- النظريّات التي تعترف وتلتزم بالكرامة الإنسانية

يقول أرسطو (–322 قبل الميلاد): "إن الكرامة ليست في نيل التقدير، ولكن في إدراك أننا نستحق ذلك Dignity consists not in possessing honor, but in the consciousness that we deserve them."[1] فهنا يوجد التزام ثابت وعام، نحو كرامة الإنسان؛ يتمثّل باقتناع راسخ بوجود قيمة خاصة للبشر، تستلزم احترامهم وحمايتهم. ويبرز هنا تساؤل حول مصدر هذا الاقتناع وآليّة تطوّره؟ لقد تناول العديد من المفكّرين هذا السؤال، وتنوّعت آراؤهم، والتي يمكن تصنيفها إلى نوعين، كما مرّ أنفاً. النّوع الأول يؤكد أن كرامة الإنسان ترجع إلى واحد أو أكثر من خصائصه الطبيعية التي يتمتّع بها بحكم إنسانيّته؛ أما النوع الثاني فيُرجع الكرامة الإنسانية إلى مجرّد كونه إنساناً، بغض النظر عن خصائصه ومزاياه.

يمكن إرجاع الإيمان بوجود الكرامة الإنسانية من وجهة نظر فلسفية إلى الفلاسفة القدامى، مثل ماركوس اوريليوس Marcus Aurelius (121 -180) و غيره من الفلاسفة الذين اعتبروا أنّ البشر متساوون أساساً، الأمر الذي ينبع من قدرتهم المشتركة على التفكير. يقول ماركوس اريليوس: "يجب تذكّر وجوب مراعاة الوجود المناسب للكرامة لدى إنجاز أيّ فعل في الحياة".[2] ويمكن رصد وجهة النّظر هذه في فترات لاحقة، كما هو الحال لدى مفكري عصر النهضة، مثل بيكو ديلا ميراندولا Pico della Mirandola،[3] وفلاسفة عصر التنوير مثل جون لوك John Locke.[4]

وجرى التقدير الكامل للكرامة الإنسانيّة من قبل ايمانويل كانط Immanuel Kant، وخاصة في كتابه "أساسيّات الميتافيزيقيا والأخلاق"، حيث يرى أنّ الإنسانية لا تتمتّع بالكرامة، ما لم تنضبط بالأخلاق. وبعبارة أخرى، فإنّ البشر لا تأتي كرامتهم من مجرّد كونهم بشراً، ولكن عندما يمارسون إرادتهم الحرّة، في التزامهم بالأخلاق. حيث إنّ كانط يرى أنّ الأخلاق تستند إلى الأفعال المتعلّقة باستقلاليّة الإرادة، وبالتالي فإنّ الحكم الذاتي هو أساس الكرامة الإنسانية.[5] و هكذا فإنّ كرامة المرء تعود إلى ممارسته حكمه الذاتيّ المستقل نفسها، وليس إلى المنافع الشخصيّة أو الاجتماعيّة التي تنتج عن تلك الممارسة. وفقاً لمبدأ كانط في الحكم الذاتي، فإنّ الإنسان لا يخضع إلا للقوانين التي يصنعها بنفسه، ثمّ أن تكون هذه القوانين عالميّة.[6] فكلا شقّي هذا المبدأ ضروري عنده؛ إذ يجب أن تكون القرارات الأخلاقية ذاتيّة بدلاً من فرضها من قبل الآخرين، حتى ولو كانت من الله سبحانه؛ ولكنها أيضاً يجب أن تكون قرارات يمكن اتخاذها باستمرار، ومع الجميع، لا أن تكون منتجات رأي شخصيّ حول الواقع، كما هو الحال في الحكم الذاتي لما بعد الحداثة. وبعبارة أخرى، يتم استبعاد جميع الأهداف النسبيّة المجرّدة. فمبدأ الحكم الذاتي هو ألا تختار إلا وفق طريق، يتم فيه تقديم مبدأ خيارك، الموافق لرغبتك، على أنّه مبدأٌ عالمي.[7] وإنّ تمتّع الناس بالحاكميّة، تستلزم تمتّعهم بالكرامة، وهذا يعاكس تماماً مسألة وجود الثّمن. إذا لكل شيء إما ثمن وإما كرامة. فإن كان له ثمن، أمكن وضع شيء آخر مكانه؛ وإن هو سما فوق كل الأسعار، ولم يُوجد ما يعادله، كانت لديه كرامة.[8] وتبعاً لذلك، فإنّ كرامة الإنسان تتطلّب أن لا يُعامل الإنسان أبداً على أنّه مجرّد وسيلة، ولكن أن يكون دائماً غاية بذاته.[9]

حاول العديد من الفلاسفة المعاصرين ومن بينهم ديريك بيليفيد Deryck Beyleveld وروجر براونزورد Roger Brownsword، تجاوز ما ذهب إليه كانط، وتطوير مقاربة عقليّة للكرامة الإنسانيّة، جنباً إلى جنب مع تطبيقاتها العمليّة في علم الأخلاقيّات الحيويّة.[10] وهم يؤكّدون ما ذهب إليه كانط من إرجاع الكرامة الإنسانيّة إلى أسباب ومقدرة الناس على أن يكونوا عوامل أخلاقيّة، غير أنّهم يفضّلون متابعة آلان غويرث Alan Gewirth (-2004م) في تبنّي فهم المرء الذي يركّز على الاختيار بشكل أكثر.[11] إنّ جوهر الكرامة بالنسبة لبيلفيد وبراونزورد يكمن في قدرة الشخص على رسم أهدافه.[12] وبالتالي، فإنّهم يفضّلون رؤية كرامة الإنسان على أنّها قدرة فعل أمر ما، أكثر من كونها عائقاً في وجه ذلك الأمر. فبينما كان تركيز كانط على الإنسان -باعتباره غاية بنفسه- وعلى القيود المفروضة على كيفيّة التعامل مع النّاس، حتى من قبل أنفسهم، رأى هؤلاء الكتّاب حماية حقّ كل فرد في الاختيار واجباً مبدئيّاً نابعاً من الأصل العقلي لكرامة الإنسان.

على الرغم من الانشغال بالحقوق الفردية في العديد من المناقشات حول كرامة الإنسان، ولا سيما في الغرب، فإنّ التركيز على الفرد كمقابل للمجتمع ليس متأصلاً في مفهومها. ويمكن للمقاربة المجتمعيّة تناول الكرامة بطرق مختلفة. على سبيل المثال، فإنّه يمكن جعل احترام الاستقلالية وحرية الاختيار السمة المميّزة لما يجب اعتباره مجتمعاً. ومع ذلك، فإنّه يمكن أن يعزّز أيضاً الكيفيّة التي يجب أن يتعامل بها أو ألا يتعاملوا بها، والتي تقيّد الخيارات الفردية.[13]

بغض النظر عن المقاربة الفردية أو المجتمعية، فإنّ أيّ محاولة لإرجاع الكرامة الإنسانية إلى الخصائص البشرية، مثل العقل والحكم الذاتي، سوف تصطدم على الأقل باثنتين من العقبات الهامة. أوّلاهما، أنّه إذا عانى إنسان ما، من نقص في هذه الخصائص، فهل ما يزال يُعتبر إنساناً كاملاً، وهل هو إنسان ناقص الكرامة؟ وإذا كان وجود الكرامة الإنسانيّة، يستلزم امتلاك القدرة على المحاكمة العقليّة والحكم الذاتي، فهذا يقود إلى الحكم بأنْ يكون قاصرو العقل، كالغائبين عن الوعي، أو الأطفال، أو الأجنّة في أرحام الأمّهات، غير متمتّعين بالكرامة الإنسانيّة بالضّرورة، رغم الإدراك الكامل بأنّهم بشر.[14] بل إنّ هؤلاء الأفراد هم في أشد الحاجة إلى الحماية، والتي جاءت فكرة الكرامة أصلاً من أجل حمايتهم. ويحاول أنصارُ المنهجِ القائم على الحكم الذاتي، عوضاً عن ذلك، تقديمَ حالة جزئية وتأمين الحماية لأولئك البشر بطرق مختلفة. فعلى سبيل المثال، يربط غويرث مستوى الحالة الأخلاقيّة للإنسان بدرجة امتلاكه للخصائص الضرورية. ومع ذلك، فإذا كانت الكرامة الإنسانيّة شيئاً يمكن وجوده وعدمه، وإذا كان الحكم الذاتي هو الأساس الذي تقوم عليها الكرامة؛ فإنّ أيّ شخص دون حكم ذاتي حقيقيّ، سوف لن يمتلك كرامة إنسانيّة. ويوافق ديريك بيليفيد وروجر براونزورد على هذا الرأي، لكنّهما يعتقدان أنّه من الممكن منح هؤلاء الأشخاص وضعاً أخلاقيّاً، بناءً ووفق درجة إمكانيّة كونهم أشخاصاً أخلاقيّين يتمتّعون بالحكم الذاتي. ومع ذلك، ففي الحالات التي يكون فيها احتمال كبير لوجود كائنات يتمتّعون بالحكم الذاتي، فإنّ العديد من الناس يرون من الأفضل الاعتراف بهم، واحترام كرامتهم الإنسانية، بدلاً من إبداء احترام جزئيّ يمتد ليشمل حتى أبسط أشكال الحياة في ظل افتراض كونهم كائنات مستقلّة.

والعقبة الثانية لهذه المقاربة للكرامة الإنسانيّة هو المعقوليّة حول إمكانيّة اختصار البشر إلى مجرّد خصائص معيّنة، مهما كانت الظروف. لقد تعرّض كانط، على سبيل المثال، لانتقادات لاختصاره في نهاية المطاف البشر إلى العقل والعقلانية في مقابل حطّه للوجود الجسدي، والذي هو أمر ضروري في مسائل الأخلاقيات الحيوية.[15] وفي الواقع، فإنّ التركيز على الخصائص عرضةٌ لانتقاد كبير من قبل أن يستخدم وجهات نظر أخرى، فهو يختصر البشر إلى ما يراه النّاس حسناً، عموماً أو ضمن مجتمع معين، وبالتالي فإنّه يتعارض ومبدأ الكرامة الإنسانية.

2- النظريات التي تناقض مفهوم الكرامة الإنسانية

في مقابل هذه النظريات مختلفة الرؤى حول المكانة الهامة للكرامة الإنسانية، نجد نظريات فلسفية أخرى نظرت إليها كمسألة ثانوية في سياق مسائل أخرى. فنظرية المنفعة على سبيل المثال، تعتبر المنفعة الأساس في تقييمها للأمور وبيان مدى صحتها أو خطئها؛ ومن هنا فإنّها تقبل الكرامة الإنسانيّة فقط إن كانت مفيدة بالقدر الكافي. ومن منظور نفعي، فإنّ ما يهمّ في نهاية المطاف هي الفائدة نفسها (على سبيل المثال: السعادة أو الرّضا)، وليس أشخاص الأفراد المستفيدين أو كرامتهم[16].

وكذلك، يرفض بعض علماء الاجتماع وجودَ تأثير كبير لحرّية الاختيار في الكرامة الإنسانية، لأنّهم يتشكّكون أصلاً بوجود حرّية للاختيار. فعلى سبيل المثال يدّعي الأطباء النفسيّون وعلماء النّفس الذين يتبعون سيجموند فرويد Sigmund Freud (-1939م)، أنّ حرية الاختيار ليست إلا وهماً، فخيارات النّاس تحرّكها إلى حدّ كبير قوى اللاوعي والقوى غير العقلانية.[17]

ويشاركهم في ذلك علماء السلوك الذين يتبعون بورهوس سكينر Skinner الذين يقولون كذلك بوهميّة حرّية الاختيار، إلا أنّهم يعتقدون أنّ السلوك يُستمدّ من مؤثّرات بيئية أكثر من كونه مرتبطاً بحرّية الاختيار.[18]

ويشكّك بعض علماء الأحياء بوجود أيّ نوع من الكرامة تخصّ الإنسان وحده، لأنّهم يعتقدون بعدم وجود أيّ اختلافات واضحة بين قدرات النّاس وقدرات الحيوانات، على اتّخاذ خيارات حرّة. وتمتد أوجه الشبه برأيهم، ليس فقط إلى القدرة على تجربة الّلذة والألم، ولكن لتشمل كذلك بعض أوجه الشبه الجيني والنفسي والفيزيولوجي، وغيرها. وبالتالي فأنّ فكرة وجود كرامة خاصّة بالجنس البشري، بدل امتدادها بين الأنواع، هي أقرب من النّاحية الأخلاقيّة إلى العنصرية أو التمييز على أساس الجنس.[19]

ويشكك البعض في وجود تأثير كبير للسلامة الجسدية في الكرامة الإنسانيّة، وخصوصاً من يُدعون "ما بعد الحداثيين" Postmodernists و"ما وراء الإنسانيين" Post humanists. فبعد الحداثيين يرفضون أن يكون للحقيقة الموضوعيّة، مفهوم حداثي، ملزم عالمياً، وذو تطبيقات واسعة حول الطرق التي يجب أن يُعامل بها النّاس. ولا يقبل العديد من "ما بعد الحداثيين" فكرة أن بعض التطبيقات التقنية على جسم الإنسان غير أخلاقية بطبيعتها، بل ويعتبرون ذلك فكرةً قمعيّة، فلا يقبلون القول بأنّها تؤدّي إلى انتهاكات لكرامة الإنسان. ويبدي بعد الإنسانيين في المقابل، شكوكاً حول قيمة جسم الإنسان. وينظرون إلى الشكل الجسمي على أنّه حادث وقع في تاريخ معيّن، والذي سيتم استبداله في نهاية المطاف من خلال التطوّرات في علم التحكّم الآلي والذكاء الاصطناعي. ووفقاً لهذا الرأي، ولأنّ الكائن البشري ليس له أيّ أهميّة مستمرّة، فإنّ كرامةَ الإنسان ليست إلا مجرّد وهم.[20]

 


 

[1] Quotations Page, in //www.quotationspage.com/quote/2296.html

[2] السابق في http://www.quotationspage.com/quote/29486.html

[3]Cassirer Ernst, Paul O. Kristeller and John H. Randall, eds., The Renaissance Philosophy of Man (Chicago: University of Chicago Press, 1948), pp. 223-225

[4] Simmons A. John, The Lockean theory of rights, 1994 - Princeton University Press 397

[5] Kant, Immanuel. 1964 (-1785). Groundwork of the Metaphysics of Morals, tr. H. J. Paton. New York: Harper and Row. Page 108.

[6] السابق 100

[7] السابق 108.

[8] السابق 102.

[9] السابق 105.

[10] Beyleveld, Deryck, and Brownsword, Roger. 2001. Human Dignity in Bioethics and Biolaw. New York: Oxford University Press.

[11] Gewirth, Alan. 1978. Reason and Morality. Chicago: University of Chicago Press.

[12] Beyleveld, Page 5.

[13] Kilner, John. Human Dignity, in Encyclopedia of Bioethics, 1194.

[14] Gaylin, Willard. 1984. In Defense of the Dignity of Being Human. Hastings Center Report 14: 18–22.

[15] Kass, Leon R. 2002. Life, Liberty and the Pursuit of Dignity: The Challenge for Bioethics. San Francisco: Encounter Books.

[16] Chappell, Tim. 1997. “In Defense of Speciesism.” In Human Lives: Critical Essays on Cosequentialist Bioethics, ed. David S. Odenberg and Jacqueline A. Laing. London: Macmillan.

[17] Kilner, John. Human Dignity, in Encyclopedia of Bioethics, 1194.

[18] Skinner, Burrhus F. 1971. Beyond Freedom and Dignity. New York: Knopf.

[19] Singer, Peter. 1993. “Animals and the Value of Life.” In Matters of Life and Death, 3rd edition, ed. Tom Regan. New York: McGraw-Hill.

[20] Kilner, John F. Human Dignity, in Encyclopedia of Bioethics, 1194.

الكرامة الإنسانية وتطبيقاتها في القضايا الطبية: الجزء الأول

الكرامة الإنسانية وتطبيقاتها في القضايا الطبية: الجزء الثاني

الكرامة الإنسانية وتطبيقاتها في القضايا الطبية: الجزء الثالث

 

الكرامة الإنسانية في الإسلام

إنّ المنطلق النظري الذي يوضّح المفهوم الإسلامي لمبدأ الكرامة الإنسانية، يأتي من قوله جلّ شأنه: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70]. فنسب جلّ وعلا التكريم لذاته العليّة. فكرامة الإنسان مصدرها الله سبحانه، يقول الإمام القرطبي: "أي جعلنا لهم كرماً أي شرفاً وفضلاً".[1] ويقول الإمام الطبري، بما معناه: هي في تسخير المخلوقات لخدمة هذا الإنسان، وتسلّطه عليهم. والإنسان رغم ضعفه، هو أنبل المخلوقات وأرقاها.[2]

لاشكّ أنّ أصل كرامة الإنسان ومبدأها ومنتهاها، يأتي من خالق الإنسان، الذي صوّره فأحسن صوره، وخلقه في أحسن تقويم. يقول الله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [غافر: 64].

و صيغة قوله سبحانه: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾، هي صيغة إطلاق وعموم، تفيد معنى الشمول، والاستغراق، فالكرامة ليست حصراً على المسلمين، ولكنّها عامّة تكتنف كلّ بني آدم، تكلؤهم بالرعاية، وترتقي بهم إلى قمّة عالية من العدل المطلق، والمساواة الكاملة.

الكرامة الإنسانيّة من وجهة النظر الإسلامية، وإن كانت مجرّدة عن الحالة المادّية، والقوّة الجسديّة، والمواهب الفكريّة. ولكنّها أيضاً، ليست بذات الدّرجة، ونفس المستوى بين كلّ بني البشر. فمعيار الكرامة عند الله سبحانه، هو درجة التقوى والعمل الصالح. يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13]. يقول الإمام الطبري في تفسيره: "إن أكرمكم أيها الناس عند ربكم, أشدّكم اتقاء له بأداء فرائضه واجتناب معاصيه, لا أعظمكم بيتاً ولا أكثركم عشيرة". غير أن التفاضل في الكرامة عند الله سبحانه، لا يُنقص أو يُسقط أو يغمط حقاً، فالناس متساوون بالحقوق والواجبات؛ حرّيتهم محفوظة، واحترامهم مصان، وإن كانوا من غير المسلين، فلا يحقّ انتهاك أجسادهم، أو أفكارهم، أو آرائهم، أو أشخاصهم.

تتمثّل الكرامة الإنسانية، في كون الإنسان مخلوقاً عاقلاً، واعياً، قادراً على التفكير، وعلى بناء الحضارات. والإنسان بكمال خلقته، يتميّز عن غيره من المخلوقات، لأنّه مخلوق يتمتع بحرّية الاختيار، واتخاذ القرارات. بإمكان الإنسان أن يختار طريقة حياته. وهذه الحيوية التي يتمتع بها الإنسان، تمنحه القدرة على إحداث التغييرات، وإنجاز التطوّرات، بشكل لا يكاد ينتهي؛ فلايزال التطوّر والإنجاز موجوداً مادام الإنسان يحيا على هذه الأرض.

والإنسان ليس آلة، ولا يعمل ولا يفكر بشكل روتيني، ولكنه حرّ مستقلّ، ليس مجرّد متّبع وحسب، ولكنّه مبدع للقيم والمبادئ، وواضع للقوانين والأنظمة. والإسلام بتشريعاته، جعل الإجماع، والقياس، والعرف، والمصالح المرسلة، وغيرها، مصادر من مصادر التشريع الإسلامي، اعترافاً منه بالقدرة الإنسانية، على إدراك الواقع، واتخاذ القرارات والأحكام، في ضوء الكتاب والسنّة. والواقع أنّ استقلالية الإنسان هي الركن الركين الذي يقوم عليه مبدأ كرامة الإنسان، سواءً بطبيعته البشرية، أو بطبيعته العقلية.

وهو باعتباره إنسان، ينبغي أن يكون في المقدّمة، قبل كلّ شيء. ويجب دوماً إعطاؤه الأولوية دوماً، فوق كل مصلحة علميّة كانت أم مادّية. والناس يتساوون جميعاً في مقدار كرامتهم، صغيرهم وكبيرهم، قويهم وضعيفهم، وصحيحهم وسقيمهم.

ومن هنا لا يصحّ من الناحية الأخلاقية التضحية بإنسان من أجل إنسان آخر، ولا يجوز إلحاق الضرر بشخص لمنفعة شخص آخر. فلا يحق مثلاً أخذ عضو من جسم إنسان دون رضا، لزرعه في جسم إنسان آخر يحتاجه، حتى وإن كان فيه إنقاذ حياته؛ تماماً كما لا يحق إعطاء مال شخص لآخر بالإكراه. ولا يجوز استخدام مريض أو صحيح في بحث طبي، دون موافقة صريحة وواضحة، لا إكراه فيها، مبنيّة على معرفة تامّة وكاملة. وكرامة الإنسان تقتضي تنزيهه عن أي ممارسة عبثية، تشخيصية كانت أم علاجية أم بحثية.

ولا تستلزم هذه المقاربة للكرامة الإنسانية، الناتجة من قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70] الادعاء بأنّ البشر هم من طبيعة إلهيّة، أو أنّهم يستحقّونها بشكل طبيعي بعيداً عن الله سبحانه، وليس بسبب كون الحكم الذاتي للإنسان مستقلاً عن الله بحيث يفترض امتلاك الناس لسلطة التصريح باستحقاقهم. بل إنّ كرامة الإنسان تقوم على علاقته الفريدة مع الله عزّ وجل، من خلال إرادة ومشيئة الله جلّ وعلا نفسه. وتقوم هذه العلاقة على عدّة أسس: أولها الخلق على صورته، والخلق بأحسن تقويم؛ ثم تمتّعه بالحرية والحاكميّة الذاتية، وكذلك خلافته في الأرض، وسجود الملائكة له، وحمله الأمانة.

1- خلق الله آدم على صورته

ليس هناك من صورة للكرامة الإنسانية أوقع أثراً في النفس من تلك الصورة التي أجمعت على ذكرِها الأديان السماويّة الثلاثة، التي وصفت الإنسان بأنه قد خُلق على صورة الله سبحانه. والتي ذُكرت في إطار الكتابات الدينية اليهودية، والمسيحية، والإسلام.[3]

يقول صلى الله عليه وسلم: "خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الْآنَ"[4]. واختلف الفقهاء في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: "على صورته"، بسب اختلافهم في مرجع الضمير، هل يعود إلى الله سبحانه، أم يرجع إلى آدم عليه السلام. ونتج من ذلك رأيان، فإن عاد الضمير إلى آدم، كان معنى الحديث أن الله لم يخلق آدم صغيرًا قصيرًا كالأطفال من ذريته ثم نما وطال حتى بلغ ستين ذراعًا، بل جعله يوم خلقه طويلاً على صورة نفسه النهائية طوله ستون ذراعًا؛ وإن عاد الضمير إلى الله سبحانه، كان معنى الحديث: أن آدم خُلق على صورة الله سبحانه من غير تشبيه أو تمثيل، لقوله جلّ شأنه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11].

وحينما يصف القرآن الكريم خلق الإنسان يصفه بأنّه تمّ على أحسن وجه وأفضله، يقول الله سبحانه: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [التغابن: 3]، ويقول أيضاً: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين 4]. يقول الإمام الطبري: "أي في أعدل خلق، وأحسن صورة"[5]. ومن هنا ارتبطت صورة الإنسان "أحسن تقويم" بمكانة هذا الإنسان، ولم تعد مكانته مقصورة على عقله وفكره، وبالتالي لا يصحّ اختزال الإنسان لمجرّد هذا العقل أو لمجرّد حريّة الإرادة والاختيار. وهذا يؤيّد ما ذهب إليه منتقدو كانط لاختصاره البشر إلى العقل والعقلانية في مقابل حطّه للوجود الجسدي.[6] وبالمقابل فإن الرؤية الإسلامية رغم إعلائها من أهمية الجسم الإنساني، فإنها في الوقت ذاته لا تقبل باختصار الإنسان إلى مجرّد جسم. يقول الله سبحانه: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [الأعراف: 179].

لا شكّ أن اعتراف الإسلام بجسم الإنسان وروحه وعقله وفكره، وإنزاله منزلته، وإعطائه حقّه، يشكّل نقطة انطلاق، وركيزة أساسية لمفهوم الكرامة الإنسانيّة من المنظور الإسلامي. ويتجلّى هذا بالحفاظ على العقل والجسم، واعتبار كلّ منهما من الكلّيات الخمسة التي تجب المحافظة عليها، وهي الدين والعقل والنفس والمال و النسل. كما يتجلّى بالنظرة المتميّزة للجسم، من ناحية الحضّ على التفكّر فيه، والحرص على العناية به ورعايته والمحافظة عليه. يقول صلى الله عليه وسلم: "وإنّ لجسدك عليك حقاً".[7]

بل إن الإسلام بتشريعاته قد احتاط للحفاظ على هذه الصورة، من خلال المحافظة عليها ما أمكن، فحرّم الخمر وما يذهب العقل، ومنع تشويه الجسد والاعتداء عليه، بل وحتى صفع الوجه.

ولا يقتصر تكريم الإسلام للجسم الإنساني والحفاظ على صورته في حال الحياة، ولكنّه يتعدّى ذلك إلى ما بعد الموت، فينصّ على وجوب احترامه، وعدم تشويهه أو إيذائه، فكسر عظم الميت ككسره حيّاً.

غير أنّ خلق الله سبحانه للإنسان خلقاً تامّاً، حسن الصورة، يحمل تحدّياً كبيراً من حيث المحافظة على نقاء تلك الصورة، وأن يحيوا حياة الطهر والعفّة على الوجه الذي أراده المولى الكريم منهم. ومع ذلك، فإنّ القرآن الكريم، والسنّة المطهرة، بل ووقائع التاريخ والحياة المعاصرة، كلّها تخبرنا أن الإنسان لم يكن كذلك طيلة الوقت! فالصورة النقية التي خُلقوا عليها قد تضرّرت بشدّة، فسلوكهم وأعمالهم ونيّاتهم لم تكن سليمة على الدوام.

2- الحرية والحاكميّة الذاتية

ومن أجلّ مظاهر تكريم الإنسان على سواه من المخلوقات، تمتّعه بالحرية تفكيراً وتطبيقاً. ويمكن تقسيم حرّية الأفعال إلى قسمين: حرية رفض فعل أمر ما (الحرية من فعل شيء ما)، وحرّية فعل ذلك الأمر (الحرية لفعل شيء ما). ومثال النوع الأول المريض الذي يرفض علاجاً ما، فلا أحد يمتلك الحق في إجباره على أخذه؛ ومثال النوع الثاني حريّة الطبيب بتقديم هذا العلاج إليه، فلا يحق لأحد إجبار الطبيب على تقديم علاج لا يراه مناسباً.

وتحتلّ الحريّة واستقلاليّة اتخاذ القرارات، مكانة باسقة بين الحقوق التي منحها الإسلام للإنسان. لا فرق في ذلك بين ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، غنيّ أو فقير. وتشمل هذه الحريّة شتّى جوانب الحياة، وأبعادها، بما في ذلك حرّية المعتقد، والدّين. يقول الله سبحانه: قال تعالى: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256].

3- الخلافة في الأرض

يقول الله سبحانه: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 30]. واختلفت آراء المفسرين على رأيين، يقول أولهما "أي: قوما يخلف بعضهم بعضا قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل".[8] فيما يقول الرأي الثاني: "أنه خليفة الله في أرضه لإقامة أحكامه وتنفيذ وصاياه"، وهو ما رجحه الإمام البغوي.[9]

لاشكّ أن اختيار الإنسان ليكون خليفة في الأرض، يحمل بعداً تشريفياً من ربّ العزّة، من خلال توكيله الإنسان بإقامة الأحكام التي أرادها المولى الكريم. والآية تشير إلى الحالة التي تذكّر الناس بوجود الله سبحانه. فالبشر خُلقوا ليكونوا على علاقة شخصيّة خاصّة مع الله، والتي تتضمّن كونهم ممثّلين وخلفاء لله سبحانه في الأرض. هذه العلاقة تنصّ على أنّ الإنسان مخلوق فريد من نوعه في مقابل المخلوقات الأخرى. بل إن المخلوقات الأخرى قد سخّرها الله سبحانه لخدمة هذا الإنسان المكرّم.

ويحدّد القرآن الكريم على أنّ الإنسان مخلوق فريد من نوعه، مقابلاً للكائنات الحية الأخرى، ولا ينصّ على إرشاد الناس حول مسؤوليتهم في ممارسة الإشراف على بقية المخلوقات. يقول الله سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ [لقمان: 20]. يقول الإمام الطبري: "(أَلَمْ تَرَوْا) أيها الناس (أنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ) من شمس وقمر ونجم وسحاب (وَما فِي الأرْضِ) من دابة وشجر وماء وبحر وفلك، وغير ذلك من المنافع، يجري ذلك كله لمنافعكم ومصالحكم، لغذائكم وأقواتكم وأرزاقكم وملاذّكم، تتمتعون ببعض ذلك كله، وتنتفعون بجميعه".[10]

ومن هنا جاء تحميل الأمانة للإنسان، وتمتّعه بالخصائص والإمكانيات التي تكفل قيامه بما وُكّل إليه، ومن ذلك قدرته على الاختيار وسلوك طريق الخير أو الشر، مقابلاً للحال التي يكون عليها الحيوان أو النبات. قال الله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا﴾ [الأحزاب: 72].

ومن مظاهر الموقع الفريد للإنسان أن الله سبحانه قد أمر الملائكة على مكانتهم وقربهم من الله عزّ وجلّ بالسجود لآدم عليه السلام. وقد ورد ذلك في أكثر موضع من القرآن الكريم، فمن ذلك قوله جلّ شأنه: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 34]. وفي آية أخرى يقول سبحانه: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾ [الأعراف: 11]. فأمر السجود هنا أتى بعد مرحلة الخلق والتصوير، عندما خلق الله سبحانه آدم على صورته جلّ شأنه، فارتبط الأمر بالسجود بالتكريم وبخلق آدم على صورة الله سبحانه. ومن هنا فإنّ المعيار الأخلاقي لكرامة الإنسان تكتسب قوتها على وجه التحديد من العلاقة المستمرّة بينه وبين الله، من خلال عبوديته لله سبحانه.

ومن هنا كان قتل إنسان بريء كقتل الناس جميعاً، وكان إحياؤها كإحياء الناس جميعاً. وكانت حرمة الإنسان أكبر عند الله سبحانه من حرمة الكعبة على علو شأنها.

 

انعكاسات الكرامة الإنسانية على الأخلاقيات الطبية والحيوية

يبرز الحديث عن الكرامة الإنسانيّة، عندما تكون قيمة الإنسان في موضع تساؤل، كما هو الحال عند استخدامه، أو إجباره، أو إيذائه. ولا يجوز استخدام الناس كأدوات، لأنّ كرامتهم توجب احترامهم لذاتهم كبشر؛ ولا يجوز إجبارهم، لأنّ كرامتهم تستلزم احترام رغباتهم؛ وينبغي أن لا يُعتدى عليهم، لأنّ كرامتهم تفترض الحفاظ على نفوسهم.

وتزداد كرامة الإنسان أهميّة وضرورة، في حال الضعف الإنساني عندما يكون هذا الإنسان معرّضاً للانتهاك والاعتداء، مما يوجب توفير الحماية له، بالوجه الذي يمنع عنه أيّ أذى، يثلم كرامته وحقوقه، كما هو حاله في صغره، يوم أن كان ضعيفاً، أو في كبره حينما عاد إلى ضعفه. قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ [الرّوم: 54]. وكذلك الأمر يتوجب الانتباه إلى حالات مخصوصة، يمكن أن يغفل عنها الإنسان، كما هي الحال لدى الإجهاض، حينما يكون الإنسان جنيناً في بدء تخلّقه، فيُعمد إلى إسقاطه دون عذر موجب يستدعي ذلك، وفي ذلك هدر لكرامته كجنين إنساني. وكذلك حينما نقف أمام مرضى خارت قواهم، وغابت عقولهم، كنزلاء وحدات العناية المشدّدة، حينما يكونون تحت جهاز التنفس الصناعي؛ وكمرضى العته الشيخي، ممن فقد قدرته على المحاكمة العقلية، وعلى اتخاذ القرارات؛ أو عندما يقف الطب عاجزاً أمام مرضى بأمراض لم يتوصل إلى علاجها فأنهكتهم، ولم يعد أمام أطبائهم إلا علاجاً تلطيفياً يقدّمونه ويسعون إليه. وتثير مسألة الاستنساخ وجهاً آخر من وجوه الانتباه لكرامة الإنسان في هذا الموقف الدقيق.

ولمفهوم الكرامة الإنسانية، الذي ينعكس على شكل استحقاق الإنسان للتقدير والاحترام من قبل الآخرين، بعدان اثنان، أولهما موقعه المتميز كفرد في المجتمع، يستحق التكريم والتشريف، ويتوجب عليه الواجبات واحترام الآخرين. وثانيهما: قيمته الداخلية كإنسان مستقل بذاته عن المجتمع. وأول البعدين يتأثّر بقيم المجتمع الذي يحيا فيه، والدّين والأعراف والتقاليد التي يحياها المرء في موطنه. فيما يتجاوز الثاني البعدَ الوطني والقومي والإقليمي إلى النطاق العالمي، كفرد في الإنسانية، حيث تشكل الكرامة خصيصة من أهم خصائص الشخصية الإنسانية. ولما توافقت الآراء على أنّ كرامة الإنسان عبارة عن قيمة ذاتية، مندمجة فيه، لا تغادره، ولا يملك عنها فكاكاً، برز التساؤل عن مصدر هذه الكرامة، وعن منبعها الأصيل!

 

أمثلة مظاهر احترام الإسلام كرامة الإنسان في الممارسة الطبية

تتجلّى مظاهر احترام الإسلام للكرامة الإنسانية، في الممارسة الطبية، وقاية وعلاجاً وأبحاثاً، بكثير من المظاهر، فمن ذلك اشتراط تحصيل الموافقة المستنيرة، الحرّة، وكاملة المعلومات، من جميع المرضى قبل إجراء أي تداخل طبي، أو إشراكهم في أي بحث طبي وقاية لأيّ انتهاك لكرامتهم من خلال أي إجراء لا يحوز على رضاهم. إنّ الاستفادة المحتملة للمجتمع لا تبرّر مثل هذا الانتهاك، مهما كانت هذه الاستفادة كبيرة. وقد نصّ السادة الفقهاء في مجمع الفقه الإسلامي على ضرورة موافقة الشخص قبل إجراء أي بحث علي عليه.[11]

وفي تقديم الرعاية الطبية، لا بد من اشتراط المساواة بين المرضى، فهم متساوون في الكرامة، لا علاقة لذلك بمنصبهم أو غناهم، مهما كان جنسهم، أو دينهم، أو عرقهم. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90] قال صلى الله عليه و سلم: “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”.[12]

ويمنع كذلك التسبب بأي أذى يمكن أن يلحق بالمرضى أو بالمشاركين في البحوث، ويمنع كذلك أي شكل من أشكال التمييز، أو وصمة العار، أو إجراء الأبحاث الطبية العبثية التي لا تقوم على أساس علمي متين.

ولا يصحّ أيّ شكل من أشكال المتاجرة بأعضاء الإنسان، فيحرم بيعها، فيما يُباح التبرّع بها. فالبيع فيه انتهاك لكرامة الإنسان، فيما يحمل التبرع بها بعداً أخلاقياً سامياً. وقد أفتى السادة الفقهاء في مجلسُ المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الحادية عشرة بقراره الثالث بحرمة بيع الدم.[13]

ولا يجوز في الإسلام اللجوء إلى قتل النفس في الحالات الطبية المستعصية، أو ما يسمّى بقتل الرحمة، سواء بيد المريض نفسه أو بيد الطبيب؛ بدعوى احترام كرامة الإنسان. بل إن التمعّن في أمثال هذه الحالات ليدرك وقوع المرضى تحت ضغوط نفسية واجتماعية طبية هائلة، الأمر الذي يجعل قراراتهم بعيدة عن الرغبة الحقيقية لهم، بل إنّ الأمر هو نقيض ذلك، إذ تحتّم احترام كرامتهم العملَ على حمايتهم ورعايتهم والإحسان إليهم، وليس قتلهم والتخلّص منهم.

ومن مظاهر احترام الإنسان للكرامة الإنسانيّة منعه الاستنساخ البشري،[14] والعبث بالمورّثات، وتحريمه الإجهاض، حفاظاً على كرامة الجنين، حتى وإن أرادت أمه أو أبوه الإجهاض؛ ما لم يوجد سبب طبيّ وجيه يستدعي ذلك، فيُباح الإجهاض حينها، كما هو الحال في المرأة الحامل المريضة بمرض فشل القلب والتي يخشى على حياتها إن استمر الحمل.[15]

 

الخاتمة

تُعتبر الكرامة الإنسانية، من المبادئ الهامة المشتركة بين مختلف الأمم والشعوب، وقد ازدادت أهميته في ظلّ التطوّر العلمي والطبي الهائل. غير أنّه يوجد اختلاف بين المدارس الفلسفية في مدى أهمية هذا المبدأ، حيث أمكن تصنيفها إلى رأيين مختلفين: رأي يقول بأهمية الكرامة الإنسانية، ويمثلها بشكل رئيسي كانط وغيره؛ ورأي له وجهات نظر مختلفة، ولا يوافق الرأي الأول حول مدى الأهمية، ويمثّلها فلاسفة نظرية المنفعة وفرويد وغيرهم.

وفي المقابل فإنّ الإسلام بتشريعاته يعترف بمبدأ الكرامة الإنسانية، ويُعلي من شأنها، ويقيمها على مجموعة من الأسس المتينة من أسس الشريعة الإسلامية، مثل: خلق الإنسان بأحسن تقويم، على صورته؛ ثم تمتّع هذا الإنسان بالحرية والحاكميّة الذاتية، وكذلك خلافته في الأرض، وسجود الملائكة له، وحمله الأمانة، وغيرها مما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهّرة. وقد انعكس هذا الفهم الإسلامي على موقفه من بعض القضايا المعاصرة، وخاصة القضايا الطبية الحيوية التي تمس الإنسان.

وبالمجمل، فيمكننا القول بوضوح شديد بوجود توافق أخلاقي نّظري بين الإسلام من جهة والمعايير الأخلاقية العالمية من جهة أخرى المنصوص عليها في الدساتير والأنظمة الدولية.



 

قائمة المصادر والمراجع

  1. المصادر

أحمد بن حنبل، أبو عبد الله (-241/855)، مسند أحمد، بيروت، مؤسة الرسالة، 1419/1999، خمسون جزءاً.

البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي (-256/870)، صحيح البخاري، بيروت، دار ابن كثير – اليمامة، 1407/1987، ستة أجزاء.

الترمذي، محمد بن عيسى أبو عيسى السلمي (-279/893)، سنن الترمذي، بيروت، دار إحياء التراث، خمس أجزاء.

مالك بن أنس (-241/855)، موطأ مالك، الأمارات العربية المتحدة، مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان، ط1، 1425/2005، ثمانية أجزاء.

الطبري، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب (-923/1517)، تفسير الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر، دمشق، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420/2000، 24 مجلد.

ابن قدامة، موفق الدين عبد الله بن أحمد (-620/1223)، المغني، بيروت، دار إحيار التراث العربي، ط1، 1405/1985، عشرة أجزاء.

القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري (-671/1272)، تفسير القرطبي، دمشق، دار الفكر، د.ت، د.ط، 20 جزءاً، 293/10.

ابن كثير اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، تفسير ابن كثير، د.م، دار طيبة، 1422هـ 2002م، د.ط، ثمانية أجزاء، 216/1.

مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري (-261/ 874)، صحيح مسلم، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د.ت، كتاب السلام، خمسة أجزاء.

ابن منظور أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الأفريقي المصري (-711 هـ/1311 م)، لسان العرب، بيروت، دار صادر، الطبعة الأولى، د.ت، 15 جزءاً، 5/13.

  1. المراجع

الإعلان العالمي بشأن المجين البشري وحقوق الإنسان، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، 1997 في:

http://unesdoc.unesco.org/images/0011/001102/110220ab.pdf#page=50

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 217 أ (د-3)، 10 كانون الأول/ديسمبر 1948، في: http://huquqalinsan.com

المجمع الفقهي الإسلامي (رابطة العالم الإسلامي)، الدورة الحادية عشرة، بمكة، من 13-20 رجب 1409هـ الموافق 19 – 26 شباط (فبراير) 1989 م، القرار الثالث: بشأن حكم نقل الدم من امرأة إلى طفل دون سن الحولين وهل يأخذ حكم الرضاع المحرم أو لا؟ وهل يجوز أخذ العوض عن هذا الدم أو لا؟

المجمع الفقهي الإسلامي (رابطة العالم الإسلامي)، الدورة الثانية عشرة المنعقدة في مكة المكرمة من 15-22 رجب 1410هـ الموافق 10-17 فبراير 1990م بشأن إسقاط الجنين المشوه خلقيا بعد تقرير جواز إجهاض الجنين المشوه قبل نفخ الروح.

مجمع الفقه الإسلامي الدولي (منظمة التعاون الإسلامي)، الدورة العاشرة بجدة بالمملكة العربية السعودية، من 23-28 صفر 1418هـ، الموافق 28 حزيران (يونيو) – 3 تموز (يوليو) 1997م، القرار رقم 94 (10/2) بشأن: الاستنساخ البشري.

مجمع الفقه الإسلامي الدولي (منظمة التعاون الإسلامي)، الدورة السابعة عشرة بعمان المملكة الأردنية الهاشمية، من 28 جمادى الأولى إلى 2 جمادى الآخرة 1427هـ، الموافق 24 – 28 حزيران (يونيو) 2006م، القرار رقم 161 (10/17) بشأن: الضوابط الشرعية للبحوث الطبية البيولوجية على الإنسان.

  1. المراجع الإنكليزية
  • The American Heritage, Dictionary of the English Language, Fourth Edition copyright ©2000 by Houghton Mifflin Company. Updated in 2009. Published by Houghton Mifflin Company.
  • Quotations Page, In

http://www.quotationspage.com/quote/2296.html

  • Quotations Page, In

http://www.quotationspage.com/quote/29486.html

  • Cassirer, Ernst, Paul O. Kristeller and John H. Randall, eds., The Renaissance Philosophy of Man (Chicago: University of Chicago Press, 1948), pp. 223-225
  • Simmons, John. The Lockean theory of rights, 1994 - Princeton University Press 397
  • Kant, Immanuel. 1964 (-1785). Groundwork of the Metaphysics of Morals, tr. H. J. Paton. New York: Harper and Row. Page 108.
  • Beyleveld, Deryck, and Brownsword, Roger. 2001. Human Dignity in Bioethics and Biolaw. New York: Oxford University Press.
  • Gewirth, Alan. 1978. Reason and Morality. Chicago: University of Chicago Press.
  • Kilner, John F., Human Dignity, in Encyclopedia of Bioethics, 3rd ed. (New York: Macmillan), 1193-1200.
  • Gaylin, Willard. 1984. In Defense of the Dignity of Being Human. Hastings Center Report 14: 18–22.
  • Kass, Leon R. 2002. Life, Liberty and the Pursuit of Dignity: The Challenge for Bioethics. San Francisco: Encounter Books.
  • Knoppers, Bartha M. 1991. Human Dignity and Genetic Heritage. Ottawa: Law Reform Commission of Canada
  • Chappell, Tim. 1997. “In Defense of Speciesism.” In Human Lives: Critical Essays on Cosequentialist Bioethics, ed. David S. Odenberg and Jacqueline A. Laing. London: Macmillan.
  • Singer, Peter. 1993. “Animals and the Value of Life.” In Matters of Life and Death, 3rd edition, ed. Tom Regan. New York: McGraw-Hill.
  • Skinner, Burrhus. F. 1971. Beyond Freedom and Dignity. New York: Knopf.

 

[1] محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (-671/1272)، تفسير القرطبي، دمشق، دار الفكر، د.ت، د.ط، 20 جزءاً، 293/10.

[2] محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري (-923/1517)، تفسير الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر، دمشق، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420/2000، 24 جزءاً، 501/17.

[3] Kilner, John F. Human Dignity, in Encyclopedia of Bioethics, 3rd ed. (New York: Macmillan), 1194.

[4] أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري (-256/870)، صحيح البخاري، بيروت، دار ابن كثير – اليمامة، 1407/1987، كِتَاب الاستئذان، باب حفظ السرّ، حديث 6289.

[5] محمد بن جرير الطبري، تفسير الطبري، 371/23.

[6] Kass, Leon R. 2002. Life, Liberty and the Pursuit of Dignity: The Challenge for Bioethics. San Francisco: Encounter Books.

[7] محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، حديث 1874.

[8] اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (-774/1372)، تفسير ابن كثير، د.م، دار طيبة، 1422هـ 2002م، د.ط، ثمانية أجزاء، 216/1.

[9] حسين بن مسعود البغوي (-516/1122)، تفسير البغوي، د.م، د.ط، د.ت، ثمانية أجزاء، 79.

[10] محمد بن جرير الطبري، تفسير الطبري، 86/19.

[11] مجمع الفقه الإسلامي الدولي (منظمة التعاون الإسلامي)، الدورة السابعة عشرة بعمان المملكة الأردنية الهاشمية، من 28 جمادى الأولى إلى 2 جمادى الآخرة 1427هـ، الموافق 24 – 28 حزيران (يونيو) 2006م، القرار رقم 161 (10/17) بشأن: الضوابط الشرعية للبحوث الطبية البيولوجية على الإنسان.

[12] أبو عبد الله أحمد بن حنبل (-241/855)، مسند أحمد، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1419/1999، بَاقِي مُسْنَدِ الْمُكْثِرِينَ، إن الله عز وجل لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، حديث 24360.

[13] المجمع الفقهي الإسلامي (رابطة العالم الإسلامي)، الدورة الحادية عشرة، بمكة، من 13-20 رجب 1409هـ الموافق 19 – 26 شباط (فبراير) 1989 م، القرار الثالث: بشأن حكم نقل الدم من امرأة إلى طفل دون سن الحولين وهل يأخذ حكم الرضاع المحرم أو لا؟ وهل يجوز أخذ العوض عن هذا الدم أو لا؟

[14] مجمع الفقه الإسلامي الدولي (منظمة التعاون الإسلامي)، الدورة العاشرة بجدة بالمملكة العربية السعودية، من 23-28 صفر 1418هـ، الموافق 28 حزيران (يونيو) – 3 تموز (يوليو) 1997م، القرار رقم 94 (10/2) بشأن: الاستنساخ البشري.

[15] المجمع الفقهي الإسلامي (رابطة العالم الإسلامي)، الدورة الثانية عشرة المنعقدة في مكة المكرمة من 15-22 رجب 1410هـ الموافق 10-17 فبراير 1990م بشأن إسقاط الجنين المشوه خلقيا بعد تقرير جواز إجهاض الجنين المشوه قبل نفخ الروح.

أضف تعليقاتك

Your email address will not be published*

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

اشترك في نشرتنا الإخبارية

إدارة اشتراكاتك في الرسائل الإخبارية
اختر نشرة أو أكثر ترغب في الاشتراك فيها، أو في إلغاء اشتراكك فيها.
حتى تصلكم رسائل بآخر فعالياتنا وبمستجدات المركز

عنوان البريد الإلكتروني للمشترك

Copyright © 2011-2024 جميع الحقوق محفوظة مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق