أهداف التربية والتعليم في الإسلام (دراسة نقدية تأصيلية)

أحمد محمد الدغشي*

 

مقدّمة

تمثل الأهداف التربوية في فلسفة التربية الإسلامية ـ كما في غيرها ـ نقطة الانطلاقة الأولى، ومحور العمل التربوي الموجّه المقصود. ولا يمكن تصوّر عمل – أيّ عمل- بنّاء جاد طموح من غير أن تسبقه رؤية واضحة محدّدة بالأهداف المراد تحقيقها. وعلى بداهة هذه الحقيقة، ومع التسليم بمضامينها على المستوى النظري؛ إلا أن ثمة نزاعاً واسعاً يعتري البحث حين التعامل مع هذه الحقيقة على المستوى العملي، سواء في تحديد المصطلح، أم في استقلالية منهج البحث الخاص بمناقشة الموضوع، حيث تسيطر الأهداف التربوية الغربية ضمن سيطرتها الشاملة على المنظومة التربوية في العالم المعاصر اليوم بما في ذلك جلّ الدراسات والأبحاث الخاصة بالأهداف المقدّمة لدارسي أصول التربية وفلسفتها.

ومع بدء التحرر الذي تزايد أنصاره في مجتمعاتنا العربية والإسلامية في الآونة الأخيرة، الهادف إلى العودة إلى الذات، ومحاولة اكتشافها ـ أيا ماً تأخر الزمن، أو امتدت الغيبوبة الحضارية ـ يلاحظ أن هذه العودة المحمودة لم تتمكن من التحرر المطلق من سيطرة الفكر التربوي الغربي في كل المجالات، حيث إن المراجعة التي تمت ـ ولا تزال ـ تفتقد إلى النقد الذاتي والتقويم المستمر، علاوة على ضعف الإحاطة بالمصادر الشرعية المعتمدة عند تناول هذا المجال أو ذاك من لدن بعض الباحثين الذين عاشوا ردحاً طويلاً من الزمن يلّقنون التربية الغربية، بوصفها التربية الحتمية المعاصرة، المخلَّصة للإنسان المعاصر من أزماته المختلفة. وحين لاحت صحوة الضمير في العودة إلى الذات أضحى الإطار المرجعي المعتمد قديماً، والاستناد إلى مضامينه الدقيقة يقتضي جهوداً ينؤ بحملها بعض من راموا التكفير عن التقصير أو ربما التفريط الذي حدث في الماضي. ولذا جاء الخلل من زوايا غير مدركة أو مقصودة، ليس في جانب الأهداف فحسب، بل في عناصر النظام التربوي، ذي الطابع الفكري أو الفلسفي بصورة عامة، ولكن هذا لا يعني إنكار فضل الرواد أو التقليل من عطاء ذوي الفكر الأصيل، في هذا الميدان، الذي يشرف الباحث بأنه واحد من مخرجاتهم. كما ولا يدَّعي أنه سيقول كلمة الفصل في هذا الجانب التفصيلي أو سواه، مادام أن للاجتهاد فيه متسعاً، وحسبه أن يبذل قصارى جهده في سبيل تقويم فكرة معوجّة أو قاصرة، أو إضافة معرفة مفيدة، ربما لم يفطن إليها آخرون.

ومن منطلق الإحساس السابق بوجود مشكلة لم تعالج تماماً في الكتابات التربوية على كثرتها في باب الأهداف التربوية، فقد جاءت مشكلة الدراسة في صيغة هذا السؤال الجامع: ما الأهداف العليا (النهائية) في التربية الإسلامية؟ وقد تفرع عنه الأسئلة التالية:

السؤال الأول: ما مفهوم الهدف وما يحل محله في الكتابات المعاصرة لغة واصطلاحاً؟

السؤال الثاني: ما مستويات الأهداف في التربية الإسلامية، ومستوى الهدف الغائي الأعلى بوجه أخص؟

السؤال الثالث: ما أسباب التأثر الحاصل في بعض الكتابات العربية بالفكر التربوي الغربي في تصنيف الأهداف التربوية؟

وتهدف هذه الدراسة إلى الإجابة عن أسئلة الدراسة المشار إليها آنفاً وذلك على النحو التالي:

أولاً: التعرف إلى مفهوم الهدف وما يحل محله في الكتابات المعاصرة لغة واصطلاحاً.

 ثانياً: التعرف إلى مستويات الأهداف في التربية الإسلامية، ومستوى الهدف الأعلى (الغائي) على نحو أخص.

ثالثاً: التعرف إلى أسباب ذلك التأثر بالفكر التربوي في تصنيف الأهداف التربوية وتحديد مستوياتها الحاصل في بعض الكتابات العربية.

وتستخدم هذه الدراسة المنهج الوصفي (الأصولي) أي القائم على الأصلين الشريفين: الكتاب الكريم والسنة المطهرة، في تتبعها لمشكلة الأهداف التربوية، وسعيها لتقديم الوجهة التربوية الإسلامية الأقوم.

 

  1. الهدف لغة واصطلاحاً

للإجابة على السؤال الأول في هذه الدراسة عن مفهوم الهدف وما في حكمه من مثل الغرض والغاية والمقصد في الكتابات التربوية المعاصرة من حيث اللغة والاصطلاح، يبدأ الباحث باستعراض أهم المعاني اللغوية على النحو التالي:

تفيد بعض المصادر اللغوية أن الهدف جاء بمعنى "كل شيء مرتفع من بناء أو كثيب رملٍ أو جبلٍ ومنه سمّي الغرض هدفاً"[1]. وفي المعجم الوسيط الصادر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة: "الهدف كل مرتفع، والغرض توجّه إليه السهام ونحوها"[2]. وواضح مما سبق أن الهدف والغرض متقاربان في المعنى حتى كأنهما اسمان لمسمى واحد. بيد أن ثمة لفظاً ثالثاً هو الغاية يختلف عن المعنيين السابقين إذ ورد بمعنى "مدى الشيء"[3]. و"غيابة البئر قعرها مثل الغَيَابة (بالفتح). وهي أيضاً كل شيء أظلكَّ فوق رأسك كالسحابة والغُبرة "بالضم" والظلمة ونحوها"[4]. ويقولون: "أغيا الرجل: بلغ الغاية في الشرف"[5] و"الغاية: النهاية والآخر فغاية كل شيء نهايته وآخرة... ويقال فلان بعيد الغاية: صائب الرأي"[6].

وهنا يمكن القول إن الهدف يختلف عن الغاية من حيث القرب والبعد وفقاً لهذا المعنى اللغوي، فكأن كل شيء قريب يمكن الوصول إليه على نحو أسرع وأوجز يسمى هدفاً قريباً، على حين أنَّ الأمر البعيد أو الذي لا يمكن تحقيقه أو بلوغه إلا بجهد جاهد، وثمن باهظ، وربما كلفة عالية يسمَّى غاية أو هدفاً غائياً أو نهائياً.

وعلى هذا فقد أحسن من استخلص من ذلك أن "الهدف: المقصد القريب أو الغرض القريب من الفعل، والغاية المقصد البعيد أو الغرض البعيد ويمكننا أن نعبّر عن الغاية بأنها الهدف البعيد"[7].

كما لم يتجاوز الصواب من استخلص من المعاني اللغوية السابقة أن لفظ (الهدف) يطلق "على كل ما يرجى تحقيقه في الحياة الدنيوية، ونسميه بالأهداف المرحلية، أو الأهداف الوسائل، وهي أهداف تتعلق بحياة الفرد، أو المجتمع في هذه الحياة الدنيا"[8].أما الغايات فتتمثل في "إقامة المجتمع المسلم الذي يعيش أفراده في أمان واطمئنان وسعادة وخير، وعلى صعيد الآخرة الفوز برضاء الله ودخول الجنة"[9].

ويطلق الباحث نفسه على المعنى الأول: الأهداف الوسائل، وعلى المعنى الثاني: الأهداف الغايات[10] وهو في ذلك يتابع أحد الباحثين ـ فيما يبدوـ بفارق أنه أطلق على المعنى الثاني الأهداف الغايات بدل الأهداف الأغراض[11]. ولقد كان محقاً في هذا التعديل من هذه الزاوية، فإذ وصف الأهداف البعيدة أو النهائية بالأهداف الأغراض ليس دقيقاً من الناحية اللغوية، وقد تقدم أن لا فرق يذكر بين الهدف والغرض، على حين أنه يمكن أن يظهر الفرق الجلي بين الهدف والغاية: غير أن الغريب في هذا أن الباحث الذي فطن إلى الأصوب فأثبته عرض للتقسيم غير الدقيق المشار إليه وأورده في سياق آخر دون تعقيب أو استدراك[12] كما لو كان مقراً له أو هكذا يشعر صمته.

ولعلّ هذه المفردات هي أهم الصيغ التي يكثر استخدامها في الأدبيات التربوية المعاصرة، أما ما أشار إليه بعض الباحثين من مثل المقصد والمرمى[13]، أو الباعث والدافع والنّية[14]، أو الإرادة والبغية والطلب والحاجة والقصد[15]، فهذه ألفاظ لا تمثّل دلالاتها المعاني التربوية المنشودة كما تدّل عليها ألفاظ الهدف أو الغاية أو الغرض من جهة، كما لا حضور لها يذكر في الأوساط العلمية إذا قُورنت بالمصطلحات الأخيرة هذه من الجهة الأخرى. وعلى ذلك يضرب الباحث عنها صفحاً ليتركز الاهتمام حول ما تقدّم.

والواقع أنه بات في حكم الواضح في هذه الدراسة على الأقل دلالات وأبعاد كل من الهدف والغرض والغاية على النحو الذي يجعل الباحث الحالي لا يتفق مع ما لجأ إليه بعض الباحثين حين أورد هذه المفردات مع غيرها ثم خلص إلى ما يشبه الإشكال نظراً لتشابهها، فعمد إلى تعريف الهدف إجرائياً كمخرج ذكي من ذلك التشابه المشكل[16]، على حين أن لا إشكال فيه عند التدقيق كما تقدّم، شريطة عدم إدراج مصطلحات غير ذات دلالة تربوية على الهدف مع ما له دلالة تربوية واضحة أو قريبة من الوضوح.

ولعلّ ما قد يبدو إشكالاً يرجع في الأساس إلى الاستخدام الأجنبي لمفردات:

Aims – Goals –Objectives

ومع أنه لا يوجد ضابط دقيق للتمييز بينها إلا أن من الملاحظ شيوع لفظ Objectives في الكتابات الأمريكية أكثر مما تستخدم في المملكة المتحدة، أماGoals  و  Aimsفتشير إلى الأهداف بعيدة المدى أو المرامي[17]، ولهذا نجد مقداد يالجن – على سبيل المثال- يشير إلى وقوع بعض الباحثين في هذا المجال في الخلط، وذلك حين لا يميّزون بين الأهداف والأغراض والغايات[18]. وأما المعنى الاصطلاحي للهدف فلعلّ أشمل تلك التعريفات وأجمعها هو أن الهدف ذلك "التغير المرغوب الذي تسعى العملية التربوية أو الجهد التربوي إلى تحقيقه سواء في سلوك الفرد، وفي حياته الشخصية، أم في حياة المجتمع، وفي البيئة التي يعيش فيها الفرد، أو في العملية التربوية نفسها، وفي عمل التعليم كنشاط أساسي،  وكمهنة من المهن الأساسية في المجتمع"[19].

وهو تعريف يتسع للتربية الإسلامية وغيرها، وإن كان ثمة إضافة يجدر أن تضاف إلى ذلك التعريف فهي عبارة (كان ذلك قريباً أم بعيداً مرحلياً جزئياً متدرجاً أم نهائياً غائياً مطلقاً). وبذلك يصبح التعريف للهدف التربوي بحسب رأي الباحث الحالي: التغير المرغوب الذي تسعى العملية التربوية إلى تحقيقه في أي مجال من المجالات التربوية سواءً كان ذلك قريباً أم بعيداً، مرحلياً جزئياً متدرجاً أم نهائياً غائياً كلياً.

 

  1. مستويات الهدف

وللإجابة على السؤال الثاني عن مستويات الأهداف في التربية الإسلامية، يحسن الإشارة إلى أن الباحثين يختلفون في تحديدهم لمستوى الهدف فثمة تصنيف ثنائي وآخر ثلاثي، مع نزاع بينهم حول مدى الدَّقة في بعض أجزاء ذلك التصنيف. وبوسع الباحث توضيح ذلك الأمر وما يشمله من خلاف وإبداء رأيه بعد ذلك على النحو التالي:

أولاً: التصنيف الثنائي للهدف

يذهب بعض فلاسفة التربية سواء من الغربيين أم من المسلمين إلى أن هناك مستويين للهدف على اختلاف في التعبير عنهما فالبعض يطلق عليهما:

(أ) أهداف موجّهات وأهداف أغراض[20]

ويرى بعض الباحثين من فلاسفة التربية الغربيين أن بينهما تناقضاً يعبّر عنه بالتناقض بين الوسائل والأهداف، وكلاهما لازم لتحقيق الآخر، إذ تقدّم الوسائل الأدوات الفعالة لتحقيق الأهداف فيما تقدَّم الأهداف البصيرة والدافع لاستخدام أفضل الوسائل. والوسائل بهذا أهداف مباشرة أو تقريبية في حين أن الأهداف وسائل أكثر نهائية.

(ب) أهداف أغراض وأهداف وسائل[21]

ويطلق عليهما بعض فلاسفة التربية الإسلامية: الأهداف الأغراض المشتملة على الأغراض والمقاصد النهائية التي يراد من التربية إنجازها وتحقيقها على المستويات الفردية والاجتماعية والعالمية، والأهداف الوسائل المشتملة على الوسائل والأدوات الفعالة لتحقيق الأهداف الأغراض. وكلا القسمين لازم للآخر فلا معنى للأهداف الأغراض دون الأهداف الوسائل إذ تبقى الأولى ضرباً من الأمنيات البعيدة المنال والتطلعات المعيقة للإنجاز. وكذا فإن الأهداف الوسائل وحدها تنقصها الدوافع المحرَّكة والغايات الموجَّهة. ومثال ذلك درس التاريخ فإن تعليمه هدف من الأهداف الوسائل لكن الكشف عن قوانين آلية في الاجتماع البشري هو هدف الأغراض النهائي فيه.

ولعلّ الخلاف بين الوجهة التي تعبر عن هذا التصنيف بالأهداف الموجهات والأهداف الأغراض وبين تلك التي تعبّر عنها بالأهداف الأغراض والأهداف الوسائل خلاف لفظي شكلي لا جوهرياً حقيقياً، بل لعلّه تحوير للألفاظ ليس أكثر، وقد يكون الدافع لذلك الحرص على الدقة، النابع من الاستعمال اللغوي المناسب لدلالات الألفاظ ومراميها، ولكن لا يترتّب على ذلك التحوير التوصّل إلى نتائج سلبية حقيقية متباينة، والعبرة دائماً بمآلات الاستعمال.

(جـ) أهداف وسائل وأهداف غايات[22]

ويميَّز بينهما عض الباحثين في ميدان التربية الإسلامية بأن الأهداف الوسائل هي الأهداف الدنيوية المرحلية القريبة، التي يسعى الإنسان إلى تحقيقها، كالأخلاق وتطهير النفس وسمو الروح والأمانة والتآخي والعدالة والتكافل...الخ. أما الأهداف الغايات و(النهايات) فتتمثل في إقامة المجتمع المسلم بكل مميزاته وإيجابياته بالنسبة للحياة الدنيا، والفوز بجنة الله في الآخرة.

ويختلف هذا النمط من التصنيف عن الذي سبقه في الجانب الدلالي لمفردتي الغرض والهدف، فمع أنّه لا فرق جوهرياً بينهما، بيد أن الفرق الحقيقي يكمن في دلالة كل من الهدف والغاية كما تقدَّم معنا عند الحديث عن المعنيين اللغوي والاصطلاحي للهدف وما في حكمه من المفردات.

(د) أهداف عامة شاملة وأهداف جزئية وأغراض مرحلية[23]

وحدد صاحب هذا التصنيف لمستوى الأهداف العامة الشاملة بما يلي:

  1. البناء العلمي.
  2. بناء الإنسان المسلم متكامل الجوانب في شخصيته.
  3. بناء خير أمة أخرجت للناس.
  4. بناء خير حضارة إسلامية.

ويشمل كل واحد من هذه الأربعة أهدافاً جزئية خاصة، وهي الأهداف الجزئية والأغراض المرحلية التي عُنيت في التصنيف الحالي [24]..

ويلاحظ أن هذه الأهداف بنوعيها لا تمتد لتشمل الغايات النهائية أو الأهداف المطلقة، ولذلك فهي لا تختلف عن تصنيف أحد فلاسفة التربية العرب (في غير ميدان التربية الإسلامية) حين صنّفها ثنائياً فقال:[25]

  • أهداف تربوية عامة. وضرب أمثلة لها بالأهداف القومية بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تشمل تكوين المواطن الصالح تحقيق النمو الكامل المتكامل للفرد ـ تحقيق الديموقراطية ـ تكوين الرأي العام.
  • (أغراض تعليمية أو أغراض التدريس والأغراض السلوكية)، وهي التي توجَّه عمل المدَّرس داخل الفصول مع التلاميذ، وضرب لها أمثله بتعليم القراءة والكتابة للأطفال تعليم الأطفال لمعاني كلمات معينة كالبطولة والفداء عن طريق درس معين ونقاش هذه الأهداف بما يصل إليه المدرس من نتائج عن طريق الامتحانات وغيرها من وسائل التقويم. وتسمّى بالأغراض السلوكية لأنها تعبر عن نفسها في سلوك التلاميذ.

وأعتقد أن مردّ ضعف الاهتمام بالأهداف الغائية على نحو صريح وواضح بالنسبة لبعض الباحثين في مجال التربية الإسلامية – بوجه أخص- يرجع إلى غياب الاعتقاد بأن تحقيق مثل تلك الأهداف بشقيها العام والمرحلي من شأنه أن يقود إلى غاية التربية الإسلامية وهي العبادة بمفهومها الشامل الذي يقود بدوره إلى الفوز بجنة الله ورضوانه في الآخرة.

أما مردّ عدم الاهتمام بالأهداف الغائية أو النهائية لدى البعض الآخر فلعلّه يرجع إلى ما استقر في عقول بعض الباحثين في غير مجال التربية الإسلامية ـ ومنهم محمد الهادي عفيفي صاحب  التفصيل المشار إليه آنفاً ـ إلى عدم وجود أهداف ثابتة[26]. وسيتم مناقشة ذلك في التصنيف الثلاثي لاحقاً. بل إن عبد الله عبد الدائم – وهو أحد فلاسفة التربية العرب- يطلق وصف الغايات التربوية (aims) على المستوى العام جداً من التطلعات التربوية التي يريد فلاسفة التربية أو رجال الدولة أن تسود المجتمع من مثل: السعي إلى إقامة مجتمع إسلامي أو غيره، أو تحقيق ديمقراطية التربية، وتكافؤ الفرص أمام الجميع ... الخ[27]..

والواقع أن هذه الأمثلة لا تمثل الأهداف الغائية النهائية للتربية والتعليم في الإسلام، بل لا تزيد عن الأهداف العامة أو الوسيطة، أو ما شئت أن تسميها إلا أن تكون غائية بمعنى نهائية مطلقة. وهذا ما أقرّ به عبد الله عبد الدائم صاحب هذا القول ـ حين صرَّح في موضع آخر فقال: "وما أتينا على ذكره يقودنا توّاً إلى المنطلق الثاني الهام من منطلقات الفلسفة التربوية العربية المرجوة، ونعني به الانطلاق من حقيقة كثيرا ما تنسى، وهي أن غايات التربية الكبرى كما تضعها الفلسفة التربوية، ليست غايات خالدة لا تحول ولا تزول..."[28].

وهو في هذا ينطلق من فرضية أن الواقع الراهن بشتى مجالاته هو الذي أملا هذه الأهداف[29]. ولكن لا شك أن هذا التصور المحدود يقصر عن التصور الإسلامي الشامل للإنسان والكون والحياة فالله ـ في إطار التصور الإسلامي ـ هو العليم بما كان وما هو كائن وما سيكون أي أنه ـ جل وعلا ـ العلّيم بما أصلح الإنسان بالأمس وما يصلحه اليوم وما سيصلحه غداً، لذا دعاه إلى تحقيق عبادته بمفهومها الشامل الجامع ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56] وحقاً ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك:14]. وبتعبير تربوي مباشر فإن الله ـ سبحانه ـ حدد الغاية الكبرى للإنسان وهي عبادته، وترك له بعد ذلك حرية الانطلاق لتحقيق الأهداف المرحلية أو الجزئية أو الوسيطة التي من شأنها أن تكون حلقة في سلسلة هذه الأهداف لتصل إلى غاياتها حين تخرج لنا: الإنسان العابد الصالح المصلح. وتأمّل الفرق بين هذا الهدف الغائي في التربية الإسلامية وبين ما يطلق عليه أهداف غائية أو عامة أو وسيطة أو نحوها في التربية الغربية حيث ينصَبّ الهدف هناك على إخراج المواطن الصالح، ليس أكثر، وسيعود الباحث إلى مناقشته لهذا الهدف تحديداً، في الصفحات القادمة بإذن الله تعالى.

 

  1. التصنيف الثلاثي للهدف

تختلف تعبيرات الباحثين في هذا التصنيف كذلك ومنها:

(أ) أهداف مباشرة ووسيطية ونهائية[30]

فالهدف المباشر هو الذي يهتم بما يجب أن يفعل في الحال، وفي الموقف الموجود فعلاً. ومثال ذلك: المدرّس الذي يواجه التلاميذ في الفصل وهم في حالة فوضى وضوضاء فإن هدفه التربوي المباشر أن يعيد نوعاً من النظام إلى الفصل لكي يستمر العمل الذي يقصد القيام به.

أما الهدف النهائي فهو ما بعد المحافظة على النظام إذ توجد أهداف أبعد من ذلك يخدمها هذا الهدف القريب المباشر وتسهم جميع الأهداف الأخرى السابقة في تحقيقه.

وأما الهدف الوسيطي فهو الذي يقع بين الأهداف المباشرة والأهداف النهائية. ومع أن هذا النوع من التصنيف يعزى إلى (فينكس)، ولم يوضع في إطار التربية الإسلامية لكنه صالح ـ من الناحية الفنيةـ للتربية الإسلامية، كما هو صالح لغيرها، خاصة وأنه قد نصَّ على الهدف النهائي، بصرف النظر عن تصور صاحبه لماهية هذه الأهداف، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن هذا التحديد لهذه الأنواع كان معتمد غير واحد من الباحثين العرب بعد ذلك، وإن ظل تحفظ بعضهم قائماً على الهدف النهائي أو الثابت[31]، من حيث إنكار وجوده، وهو مالم يفت (فينكس) الإشارة إليه ابتداءً حيث أكّد على أنه لا نزاع بين الباحثين حول وجود أهداف مباشرة وأخرى وسيطة، وإنما يدور النزاع بينهم حول وجود أهداف نهائية، لأنها من وجهة نظر المعارضين لوجودها تتضمن ثبات الغرض ونهائيته، وهو ما يتعارض مع الطبيعة الديناميكية غير النهائية للعمل الإنساني. كما أنه لا يوجد هدف تربوي يستطيع  أن يدرك عمليات النمو الإنساني دون أن يخضع لغرض أبعد من ذاته، ولذلك يعتقد أنصار هذه الوجهة أن الحديث عن أهداف نهائية يعوق التقدّم ويعطّل الكشف[32].

وهذا التعليل ليس بعيداً عن التعليل الذي سوّغ به بعض رجال التربية العرب رفضهم قبول أهداف نهائية. فهذا محمد الهادي عفيفي يشترط للأهداف العامة ـ وليس بعدها أهداف عنده ـ أن تكون مناسبة للظروف المتغيرة في المجتمع وفي العالم المحيط به. فالأهداف التربوية التي تقوم على الثبات والسكون الاجتماعي، أو التي لا تنبع من المجتمع الذي تنتمي إليه فارغة وعقيمة، حيث إنَّ الأهداف ذات طبيعة ووظيفة اجتماعيتين[33] وهذا عبد الله عبد الدائم يعرض لما يسميه الغايات التربوية العامة والمقاصد التي عدَّها أقل عمومية، ثم أكد على "الانطلاق من حقيقة كثيراً ما تنسى وهي أن غايات التربية الكبرى كما تضعها الفلسفة التربوية، ليست غايات خالدة لا تحول ولا تزول..."[34] وهذا محمد لبيب النجيحي -وهو أكثرهم صراحة وحماسة لرفض فكرة الأهداف النهائية الثابتة- بعد أن يورد تقسيم الأهداف ومستوياتها تبعاً لـ(فينكس) - من غير إشارة إليه ـ[35] يقسّمها إلى نسبية متغيّرة، ومطلقة مستمرة دائمة، وتراه يزدري الرأي القائل بأن هناك أهدافاً مطلقة دائمة مستمرة، نظراً لأن الزمن لا ينال منها، وأن التغيير لا يمكن أن يصل إليها، ذلك لأنها وصلت إلى أعلى مستوى من الكمال، وما بقاؤها فترة طويلة من الزمن دون تغيير إلا دليل على صلاحيتها.

وحين يحدّد موقفه من ذلك بالازدراء؛ فإنه يصرَّح عقبه بأن التربية لو قبلت بوجود أهداف مطلقة دائمة مستمرة فإنها ستجمد "على وضع معين، ويقف الذكاء الإنساني عند مستوى لا يتعداه"[36].

وهذا منطلق من فرضية أن الأهداف الثابتة والنهائية تقف عند حدود الحياة الدنيا دون أن تتعداها إلى الحياة الآخرة، وما أعدَّ الله للمؤمنين من جّنة ونعيم. وفي معرض حديث ذلك النجيحي عن معايير الأهداف التربوية الصالحة نجده يؤكد "أن الأهداف التربوية ليست نهائية، فإذا كان النمو ليس له هدف من ورائه إلا النمو ذاته فإن التربية بذلك تصبح عملية مستمرة لا تستقر عند غاية معينة تحققها، وإنما تجعل من الهدف عند تحقيقه وسيلة لما بعده من أهداف. وبهذا تستخدم هذه الأهداف استخداماً تجريبياً"[37]. وحين يقرّر ما سبق فإنه يعود ليستدل بنص من كتاب (الديموقراطية والتربية) للمفكر التربوي الأمريكي الشهير (جون ديوي) (ت: 1952م) رائد البرجماتية التربوية المعاصرة ليؤكد عدم وجود أهداف نهائية، ومن ثمَّ فإن الأهداف المقبولة ترتبط بالبيئة الصالحة المحققة لحاجات التلاميذ، وفعاليتهم، وهو ما يعني أن الأهداف لا تفرض من (سلطة عليا) ولا من جماعة خارجة عن الموقف التعليمي، وإنما من البيئة اللازمة لتحرير استعدادات التلاميذ وتنظيمها[38]. ومع أن جملة هذه الآراء المتقدمة تجمع على نفي وجود أهداف نهائية أو غائية مطلقة، إلا أننا نخص بالمناقشة التفصيلية نسبياً هذا الرأي الأخير لأنه جماع الآراء قبله، وأكثرها حماسة وتفصيلاً، وذلك على النحو التالي:

  1. يلاحظ في هذا الرأي التقليد شبه المطلق لآراء (جون ديوي) وفلسفته التربوية البرجماتية. فالقول بتغيرّ الأهداف بل عدم وجود حقيقة أو قيمة أو معرفة مطلقة أو ثابتة أو نهائية عليا هي الفلسفة الكلية لديوي[39]، فضلاً عن الأهداف التي يصرَّح بتغيرها وعدم ثباتها وأن دورها لا يتعدى التحفيز والدفع الإرشادي لاختيار المعرفة حتى لا تصاب بالجمود والانعزال[40]. ولذلك فالأهداف الحقيقية عند البرجماتية إنما تنحصر في هدفين هما:[41]
    • النمو أو التطور الطبيعي.
    • الفعالية الاجتماعية.

وبذلك يتضح أن النقل حرفي والاستعارة كاملة، وأنه لا انتقاء أو اختيار في ذلك بل تماهٍ واستسلام وذوبان، والغريب أن هذا ما يعاب على القائلين بالأهداف النهائية أو الغائية المطلقة، بحسبان ذلك مفروضاً من (سلطة عليا) كما سبق أن قال هذا الباحث. ومراده بالسلطة العلّيا: السلطة الدينية العلّوية الغيبية، تلك التي تفرض أهدافاً نهائية مطلقة ثابتة[42]. ومع أننا ندرك دوافع (ديوي) وغيره لرفض فكرة الأهداف النهائية المفروضة من سلطة الكنيسة ورجال الدين بالنظر إلى تاريخ الصراع الدامي بين رجال العلم ورجال الدين في أوروبا؛ لكن ذلك غير مبرّر بالنسبة للسلطة الدينية في الإسلام – إن صح الوصف – حيث لا رجال دين يمثلونها، ولا كهانة في الإسلام بداهةً، وإنما علماء دين متخصّصون، ورجال فكر، وأئمة اجتهاد، يتفقون ويختلفون، ويصيبون ويخطئون باعترافهم أنفسهم، فلِمَ تعمم أخطاء الكنيسة على الدين الإسلامي الحنيف؟ ولِمَ يتحمل علماء الدين الإسلامي وفقهاؤه تبعات رجال الدين المسيحي، وأوزار سدنة الكنيسة؟ وكيف يُراد لنا أن نتقبل الأفكار الغازية من وراء البحار، بعد استيرادها كما تستورد المعلبات الجاهزة بصرف، النظر عن ظروف نشأتها، ومدى صلاحيتها، وملابسات حدوثها لديهم، ودون النظر في مدى ملائمة ذلك عندنا، أو مسوَّغات الإيمان به ونشره والدفاع عنه؟

إذاً فكأن المطلوب ألا تُقبَل الأهداف النهائية الصادرة عن سلطة عليا، أيّا ما كانت حجتها، على حين يمكن قبولها، بلاد أدنى تحفظ، حال صدورها، من قبل سلطة أرضية (غربية).

  1. إن محمد لبيب النجيحي حين تحدث عن مسوَّغات تغيّر الأهداف بسبب كونها متغيّرة بتغير الظروف المختلفة، وواضحة قابلة للتعديل بمرور الوقت وفي ضوء الخبرة المكتسبة، وكون هناك تغيراً أساسياً في نظام القيم يستوجب تغير الأهداف تبعاً لذلك؛[43] فإنه في ذلك يشايع رأياً أورده فينكس ـ من غير إشارة إليه ـ والملفت أن فينكس لم يصبغ عليه ذلك اليقين (الدوغمائي) الذي انتهجه محمد لبيب النجيحي بل عدَّه الأول حالة من الحالات دون أن تكون الأهداف كلها كذلك بالضرورة[44]، علاوة على أن (فينكس) يورد الرأي وما يعارضه كمنهج موضوعي التزمه في دراسته، كما هو بيّن للقارئ الباحث.
  2. حيث يركَّز النجيحي ـ تبعاً للبرجماتية ـ على أن الأهداف مستنتجة من الخبرة التي ينالها الفرد مع مرور الزمن لكي تكون واضحة، منطبقاً عليها معيار الهدف؛ فإنه في هذه الحالة يكون قد ضخم دور الخبرة التي يحصل عليها المتعلم، أو الإنسان بصورة عامة، نتيجة البحث والاكتساب، وتغيّر الظروف الموضوعية، زماناً ومكاناً، في مقابل إضعاف مكانة العلم، ودوره الصادر عن قوة عليا غيبية، حتى لو كانت إلهاً عليماً خبيراً، يعلم بلا حدود، ويحكم بلا معقَّب، ويستقي منه المؤمنون معرفتهم اليقينية لأنها تكون ساعتئذٍ معصومة، ما دام أن هناك إيماناً يقينياً بهذا الخالق وحكمه وحكمته وعلمه المطلق ابتداءً: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك:14]، ﴿قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ﴾ [البقرة:140]، ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:216]،
    ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:231]. ولكن لا شك أن ثمة مرادفة غير مشروعة بين مفهوم الغيب في الإسلام والميتافيزيقيا في المفهوم الغربي، بحسبان الجميع أدياناً وكفى، وهذا مكمن الخلل العميق، ذلك أن الإيمان في الإسلام قائم على العلم والبرهان والبحث، وليس على التقليد والظن والمحاكاة. والإيمان بالغيب في الإسلام -من ثمّ- نابع من الإيمان بسلامة المعتقد الكلي (الإله)، وما ثبت أنه مصدر معصوم صادر عنه (الوحي)، أي (القرآن الكريم)، ثم ما ثبت من سنة النبي محمّد– محمّد صلى الله عليه وسلّم- الصحيحة القولية والعملية والتقريرية، دراية ورواية، أو سنداً ومتناً. ولهذا فإن حقيقة (الله)، والهدف الذي يصدر عنه، حقائق مطلقة يقينية نهائية، لا يأتي عليها الزمن بالتغير، ولا يمكن أن تحيل الخبرة قيم الحق والخير والوفاء والعدل والحرية والمساواة والإخاء ونحو ذلك، إلى قيم نسبية متغيرة، يمكن أن تصبح مختلفة يوماً، مع كونها أهدافاً مطلقة اليوم.

(ب) غايات وأهداف عامة وإجرائية سلوكية[45]

وهذا النوع من التصنيف الثلاثي مستعار من الدراسات المتصلة بتقانة (تكنولوجيا) الأهداف حيث حُدَّدَت بثلاثة مستويات لها هي:

  1. مستويات الغايات: أي الغايات الكبرى، كتلك التي يضعها مجتمع ما لنفسه في وقت معين.
  2. مستوى الأهداف العامة: وهي ترجمة للغايات التربوية إلى مضمون تربوي وكأنها وسائل تلك الغايات و"المناهج" الرسمية هي الشاهد على بلورة تلك الأهداف الشاملة لجميع مراحل التعليم.
  3. مستوى الأهداف الإجرائية أو السلوكية: ومهمتها ترجمة المناهج إلى أهداف لتحقيق الهدف النهائي الأساسي للعملية التعليمية، ويقصد بها الطالب، حيث تهدف إلى تعديل سلوكه، وإلى توليد الأنماط السلوكية المرجوّة عنده، وهي الأنماط المستمدة من أهداف المناهج المستمدة بدورها من غايات التربية وفلسفتها. والواقع أن هذا التصنيف مما يمكن قبوله كإطار فني عام بالنسبة لفلسفة التربية الإسلامية.

(جـ) هدف أعلى نهائي، وهدف عام، وهدف خاص أو جزئي[46]

وهذا النوع من التصنيف الثلاثي يعد الأكثر التصاقاً بفلسفة التربية الإسلامية وتحديداً لوجهتها الواضحة الجليّة، دون أن يعني ذلك انتقاصاً من قدر تصنيف ثنائي أو سواه، مادام أنَّه لم يغفل الأهداف النهائية أو الغائية المطلقة، إذ هي جوهر النزاع مع الفكر التربوي الغربي.

 ولم يعد خافياً الآن أن المقصود بالهدف النهائي الهدف الذي لا يعلوه هدف آخر، ويتضمن الأهداف العامة أو التفصيلية، وهو واجب جميع مؤسسات التربية من مدرسة ومسجد وإعلام وهيئات شباب ونحوها وخلاصة أهدافها الإعداد للحياة الدنيا والآخرة[47]. أما الأهداف العامة فيقصد بها “تلك الغايات أو التغيّرات المرغوبة التي تسعى التربية إلى تحقيقها والتي تعتبر أقل عموماً وأقرب منالاً من الهدف الأعلى وأقل خصوصاً من الأهداف الخاصة”[48]، ويمكن أن تكون الأهداف العامة للنظام التربوي ككل، أو لمرحلة من مراحله كالتعليم الثانوي مثلاً، وقد تكون لنوع معين من التعليم كالتعليم الشرعي أو الفني مثلاً[49]، وكذا فإن ربط أهداف التعليم في المرحلة الابتدائية مثلاً بالنمو الجسمي والعقلي والاجتماعي والعاطفي والروحي؛ يعدّ من ضمن الأهداف العامة[50]. كما أن منها ما ورد عند بعض المربين من أن أهداف التربية الإسلامية تحقيق: التربية الخُلُقية، والعناية بالدين والدنيا معاً، والعناية بالنواحي النفعية، ودراسة العلم لذات العلم، والتعليم المهني والفني والصناعي لكسب الرزق[51].

أما بالنسبة للأهداف الخاصة فيقصد بها “تلك التغيّرات المرغوبة الجزئية أو الفرعية التي تدخل تحت كل هدف من الأهداف التربوية العامة الرئيسة، أوهي مجموعة المعارف والمهارات وأنماط السلوك والاتجاهات والقيم والعادات المرغوبة، التي يتضمنها الهدف الأعلى، أو العام للتربية، والتي لا يتحقق الهدف الأعلى أو العام تحققاً كاملاً بدون تحققها”[52]. ومن أمثلة الأهداف الخاصة المندرجة تحت الهدف العام القائل بـتنمية الوازع الديني والخلقي:[53]

- تعريف الناشئة عقائد الإسلام وقواعده وأصول العبادات.. وتنمية الوعي الصحيح بالإسلام وما فيه من مبادئ وقواعد للأخلاق الفاضلة، وغرس الإيمان بالله ـ تعالى ـ خالق العالم، وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر على أساس من الفهم والوعي والتأثر الوجداني...الخ.

وهكذا فإن الحديث عن أهداف نهائية أو غائية مطلقة كالإعداد للحياة الدنيا والآخرة يقتضي تحقيق جملة من الأهداف العامة والخاصة قبل ذلك.

وبكلمات جامعة فإن التربية الإسلامية لا ترى في ثبات الأهداف سوى تحقيق هدفها الغائي النهائي الأعلى المتمثل في عبادة الله ـ تعالى ـ وحده وفقاً لتوجيه الحق –تعالى-: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56]، لكنها في الوقت ذاته لا تمانع من وجود أهداف فرعية أو مرحلية أو جزئية خاصة أو عامة، وذلك في إطار المفهوم الشامل للعبادة. فثمة أهداف تزكوية من خلال الشعائر. فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت:45]، والزكاة تطهر المال من درن التعامل الدنيوي: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة:103]، والصوم يهدف إلى تحقيق  التقوى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183]، كما يهدف على المعالي، والنهي عن السفاسف: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة:197]. وثمة نصوص أخرى كثيرة جميعها تؤكد مشروعية الأهداف الفرعية المرحلية أو الخاصة كذلك من مثل: مشروعية النفقة على الأهل والأسرة والنفس: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك»[54]، وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «إن المسلم إذا انفق على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة»[55]. وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ معلقاً على شاب كان يبكَّر ساعياً على رزقه فقال بعضهم: «ألا ليت سعيه في سبيل الله» فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «.... إن كان يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان»[56].

وفي الدفاع عن الحقوق المشروعة من مال وعرض: قال ـ صلى الله عليه  وسلم ـ: «من قتل دون ماله فهو شهيد»[57].

وثمة أهداف تربوية للرسالة الخاتمة يمكن وصفها بالأهداف العامة، وتتمثل في أهداف تلاوة الكتاب، وتزكية المؤمنين به، وتعليمهم إياه، إلى جانب تربيتهم على سنة محمّد –عليه الصلاة والسلام-  ومنهجه، وذلك ما ورد في مثل قول الله ـ تعالى ـ: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [الجمعة:2].

 كما أن هناك هدفاً تربوياً أخلاقياً عاماً ورد في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق»[58].

 أما الأهداف الحضارية فأبرز سماتها الوسطية، تلك التي تميّزت بها أمة الإجابة، حيث تحقيق الشهادة الحضارية على الناس، وشهادة الرسول محمّد – صلى الله عليه وسلّم- على أمته: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ [البقرة:143]، وتحقيق الهدف الذي صيّر هذه الأمة خير الأمم، وهو قيامها بتبليغ هذا الدَين بوصفه انبثاقاً عن الإيمان بالله –تعالى- عبر ما عُرف بـ(الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر): ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران:110]. ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف:157].

ومثل قيامها بدور استعمار الأرض وتحقيق الاستخلاف فيها:

﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ [هود:61].

كما أن هناك نصوصاً قرآنية تدل على الهدف النهائي الغائي المطلق الجامع لتلك الأهداف العامة أو التفصيلية جميعاً أبرزها قول الله ـ تعالى-: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56]. وما ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من قوله: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العلّيا فهو في سبيل الله»[59].

 

  1. أسباب التأثر بالفكر التربوي الغربي في تصنيف الأهداف

وللإجابة على السؤال الثالث عن تفسير التأثير الحاصل في بعض الكتابات العربية بالفكر التربوي الغربي في تصنيف الأهداف بوسع الباحث القول: إن أهداف التربية الإسلامية يمكن أن تكون ذات مستويين أو ثلاثة، ليس هذا محل إشكال حقيقي حين يتحرَّر النزاع بالنص على وجود أهداف مطلقة سواء سميناها نهائية غائية عليا أم عامة غائية مطلقة أم غير ذلك مادام أن مدلولها يؤدي ذلك المعنى. وإنما النزاع الحقيقي يكمن في إغفالها من الأساس، وأكثر من ذلك التصريح بأنه لا وجود لأهداف ثابتة أو نهائية أو غائية مطلقة تحت حجج أشار الباحث إلى بعضها فيما تقدّم. وهنا يصبح من نافلة القول التأكيد على مدى التأثر الذي وقع لبعض رجالات التربية العرب في هذا الباب على وجه الخصوص. ولئن بحثنا عن جذوره وأسبابه فإننا سنجده كامناً في عملية التكوين العلمي الأولى لهذه الفئة، حيث تلقّت تعليمها العالي في الغرب غالباً وفي الولايات المتحدة الأمريكية على وجه التحديد، ومنهم من تتلمذ على أيدي بعض تلك النخب في البلدان العربية.

ويوضح أحد أبرز رجالات التربية العرب ـ وهو سعيد إسماعيل علي ـ هذه الحقيقة مشيراً إلى الأثر التربوي الكبير الذي تركته الفلسفة البرجماتية (Pragmatism) على التربية العربية فكراً وتطبيقاً، وذلك من خلال عدد من رواد التربية الأوائل في مصر. ويمضي في بيان ذلك الأثر من خلال الاهتمام الذي حظي به (جون ديوي) من حيث ترجمة العدد الكبير من كتبه إلى العربية دون أن يقتصر ذلك على رجال التربية وحدهم بل شاركهم في ذلك عدد من أساتذة الفلسفة في الجامعات المصرية، كما لعبت مؤسسة (فرانكلين) للنشر دوراً ضخماً في تيسير سبل النشر للفكر الأمريكي في صورة طوفان ملحوظ استمر حتى خلال المدّ الاشتراكي في مصر وما صحبه من علاقات سيئة بين مصر والولايات المتحدة.

وللمرء أن يتصوّر وضعاً تستولي عليه سياسة تتبنى الاشتراكية مع تربية أمريكية برجماتية رأسمالية طاغية تسيطر على الحياة التربوية والتعليمية، فلم يجد بُدّاً بعض أولئك الروّاد من أن يعلنوا إيمانهم بالاشتراكية مع ممارستهم في الفكر والتطبيق الفلسفة البرجماتية في الميدان التربوي، في صورة نفاق ثقافي كبير.

وقد علّق ذلك التربوي على هذا الوضع قائلاً: "وإن دل على شيء فإنما يدل على أن الروح البرجماتية قد دخلت رجال التربية حتى النخاع، إلى الدرجة التي جعلت البعض منهم يقولون بأفواههم ماليس في قلوبهم، تبريراً لضرورة وأهمية النجاح في الحياة العملية، وكأن صيحة وليم جيمس قد آتت أكلها في مصر بما يفوق ما آتته في الولايات المتحدة نفسها!!"[60].

ويستنتج هذا التربوي من ذلك سبباً مهماً من أسباب فشل التربية في مصر، في أن تواكب عملية التغيير الثوري في المجتمع المصري منذ الخمسينات الميلادية نظراً لذلك التناقض الصارخ بين القوانين والقرارات والأحداث السائرة في اتجاه سياسي واجتماعي واقتصادي يتباين مع ما كان قد استقرَّ في أفئدة القيادات التربوية وضمائرها. بل إن ذلك الوضع يفسَّر بُعداً من أبعاد المأساة التي كان ضحيتها المواطن المصري، حيث غدا حاله كعربة يجرّها حصانان، حصان ذات اليمين وآخر ذات اليسار وكل يمسك سياطاً يلهب ظهره إن فكر بالاعتراض أو النقاش[61].

ولعلّنا بحاجة إلى مزيد من الأمثلة التطبيقية التي تؤكد حقيقة ذلك التأثر وتفسَّر سرَّ ذلك التماهي مع البرجماتية الأمريكية في الوقت ذاته. وسيقتصر الباحث على أهم وأبرز هدف تسعى التربية البرجماتية إلى تحقيقية وهو النمو.

فهذا أحد هؤلاء المتأثرين إلى حدَّ التماهي حقاً بالبرجماتية وبـ جون ديوي على وجه التحديد- وهو محمّد لبيب النجيحي- الذي يَنقل عن (ديوي) قوله: "ليس للعملية التربوية هدف خارج عنها، فهي هدف نفسها"، فيؤكَّد النجيحي أنَّ المقصود هو النمو في السيطرة على البيئة الاجتماعية التي تعيش فيها، أي ذلك الذي يفضي إلى كمال في شخصية المتعلمين[62].

وحين يورد مجابهة عدد من المربين للأهداف البرجماتية بأنّها من التناقض والاضطراب بحيث إن هدف النمو قد يكون اتجاهاً مرغوباً فيه، وقد يكون العكس، فيرون ضرورة تحديد نوع النمو، حتى يتحدد اتجاهه. وضرب هؤلاء مثالاً، بمرض السرطان الذي ينمو في الجسم، ولكنه نمو ليس مقصوداً كنوع مرغوب فيه في التربية، كذلك فإن التلميذ قد ينمو في الكسل وفي تنمية العادات الدراسية السيئة، فهل يكون مثل هذا النوع من النمو إيجابياً؟؛ ينبري محمد لبيب النجيحي للدفاع عن البرجماتية بما حاصله أن البرجماتية لا تؤمن بثبات شيء محدَّد له نهاية جامدة محدَّدة. ومعنى ذلك أن البرجماتية لا تحدَّد هدفاً معيناً يتجه إليه النمو، حتى لا يصبح هذا الهدف نهاية يقف النمو عند تحقيقها. وينقل عن البرجماتيين تمييزهم بين النمو والتقدّم أو التغيّر، حيث يكون النمو السليم هو المؤدي دائماً إلى مزيد من النمو والتغيّر وإلى إمكانيات هذا النمو والتغيير، لذلك فإذا كان مرض السرطان ينمو فإنه يؤدي إلى تعطيل النمو في النواحي الأخرى، وإذا كان التلميذ ينمو في الكسل واكتساب العادات السيئة فإن ذلك يؤدَّي إلى تعطيل بقية نواحي الشخصية وبذلك فليس هذا النمو هو المطلوب[63].

وفي مرجع آخر يقول الباحث نفسه في معرض حديثة عن التربية وأنها عملية نمو للفرد الإنساني: "أي أن هذا النمو هو الحياة، إذا قلنا إن عملية التربية هي عملية النمو فمعنى ذلك أن التربية والحياة شيء واحد. وإذا كانت التربية عملية نمو فإلى أين يتجه هذا النمو؟ هل نضع له هدفاً؟ التربية عملية نمو، والنمو ليس له هدف أبعد منه اللهم إلاَّ النمو ذاته. ومعنى هذا أن التربية تهيئ الوسائل المختلفة لتحقيق إمكانيات النمو لدى الطفل حتى يصل هذا النمو إلى أقصى حدّ له وبذلك لا يهدف النمو إلى شيء آخر غير النمو نفسه. وينتج عن هذا المفهوم أيضاً، وهو أن النمو غاية في ذاته"[64].

وهنا يتضح مدى الإسراف في التقليد، والمطابقة في الاقتباس غير المحتشم أو المتحفَّظ، بل ثمة تعميم (دوغمائي)، وإعلان صارخ قاطع بأن البرجماتية وأهدافها هي المخرج لمجتمعاتنا من حالة الضعف والتخلّف والتبعية، أمّا هدف النمو تحديداً فهو الهدف (المقدَّس) الذي لا يجوز النزاع فيه، ودون أن يخطر بالبال مناقشته... ألم تر أنه حسم أية محاولة للسؤال أو التشكك المنطقي في عملية النمو هذه حين قال ـ تبعاً لديوي ـ: "إن النمو هو الحياة، وإنها شيء واحد، وليس للنمو من هدف سوى النمو ذاته وإن البرجماتية لا تؤمن بثبات شيء له نهاية جامدة محددة، فليس لها هدف غائي يتجه إليها  النمو..."الخ. هذا مع أن الحقيقة أن "التسليم بوجود أهداف ثابتة يزود القائمين على التربية بمعايير ثابتة وصادقة، يستعينون بها على مدى تقدم التلاميذ في عملية التعلّم. أمّا القول بأن الأهداف جزء من عملية النمو ذاتها فإنه يزيد من حيرة المربين، فاللص الذي يكتسب المزيد من المهارات في السلب والنهب ينمو في هذا المجال، فهل تعتبر اللصوصية عملية تربوية هادفة؟ ... وثبوت الأهداف التربوية لا يعني بأي حال من الأحوال جمود العملية التربوية. فالقرآن الكريم حدّد الأهداف وترك البشر طلقاء في السير نحو تلك الأهداف. فبر الوالدين - على سبيل المثال- مبدأ قرآني ثابت، لا تبديل ولا تحوير فيه. ولكن الإسلام لا يقيد المسلم بمسار معيّن، كما لا يلزم الجميع بالوصول إلى مستوى واحد، بل نراه يترك الباب مفتوحاً أمام إمكانات الأفراد وقدراتهم. فالكل مطالب بالارتفاع إلى الحدّ الأدنى، وترك المجال أمامهم بعد ذلك مفتوحاً، ليصل كل منهم إلى المستوى الذي تؤهله له طاقاته وخصائصه"[65]. وناهيك عن أن هذه وثنية جديدة، أن يُعبد النمو، ويستحيل إلى هدف غائي أعلى بحد ذاته، لا شريك له؛ فإن الزعم بأن النمو المرغوب فيه هو الإيجابي فقط يصطدم بمشكل معيار النمو الإيجابي هذا، من يضعه؟ ومن يحدّده؟ فإن قيل الفلسفة الاجتماعية السائدة، فقد يقال إن الفلسفة الاجتماعية السائدة نتاج فلسفة تربوية قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة، وليس أدل على ذلك من اصطراع الفلسفات الغربية فيما بينها فالواقعية (Realism) تثور على المثالية (Idealism) بل وسعت لاستئصالها ما استطاعت والبرجماتية (Pragmatism) ثارت على المثالية والواقعية معاً وعّدتهما من مخلفات العهود الرجعية العتيقة، ومع سيطرتها الكبيرة في الولايات المتحدة خاصة إلا أن من غير المضمون استمرارها خاصة مع تزايد النقد لها ومن أبرز ما وجّه إليها  أنها تربية بلا أهداف!! حيث أولت الاهتمام أموراً ثانوية كالتكيّف وتشجيع الناشئة الجري وراء رغباتهم ووراء النشاطات الاجتماعية، بينما أهملت الموضوعات الأكاديمية والعقلية والدراسات الجادة، حتى وصفها بعض النقاد بأنها "سيرك لعب" أكثر من كونها معهداً أكاديمياً[66].

كما تتعرض الفلسفة البرجماتية منذ السبعينات الميلادية من القرن العشرين حتى وقتنا الحاضر لنقد شديد من مجموعة المربين والباحثين المعروفين بالمراجعين[67].

أمّا بالنسبة للأهداف المنتقدة فيجب أولاً أن نعبَّر عنها بلغة أصحابها فنقول إنها تهدف في ذلك إلى نمو المتعلم من جوانبه المختلفة، دون أن تضع حواجز أو قيوداً لانطلاقته، إذ هي توصف بأنها تربية تقدّميّة حُرَّة، غير نهائية، أو ثابتة، وهذا معنى تشجيعها الناشئة الجري وراء رغباتهم ووراء النشاطات الاجتماعية المختلفة، ولكنها لا تستطيع أن تتحكم في كون تلك الأنشطة أو الرغبات إيجابية دائماً، أو ذات أولوية حقيقية في كل حين.

وثمة أمرٌ آخر جوهري وقع فيه دعاة تحقيق الأهداف البرجماتية بلا تمحيص وهو أن ما قد يصلح لمجتمع ما قد لا يصلح بالضرورة لمجتمع آخر، فإذا كانت البرجماتية غير قادرة على أن تفرض نفسها تماماً على العالم الغربي بلا نزاع وصراع، مع اتحاد الجميع في المعتقد العام، والفلسفة الكلية، في النظرة إلى الدين والإنسان والكون والحياة والمجتمع؛ فكيف يراد أن تنقل بلا تحفّظ أو استحياء أو غربلة وانتقاء وضبط إلى مجتمعات مختلفة، في المعتقد، والفلسفة من الجذور، كالمجتمعات الإسلامية، ناهيك عن التاريخ المصهور بالدماء والأشلاء والاحتلال للأرض، وانتهاك العرض، قديماً في صورة ما عرف بالحروب الصليبية، وحديثاً في صورة ما سمَّي بـ(الاستعمار).

إن شأن من يسعى إلى استعارة نموذج الآخر، كما هو، شأن من يحرص على أن يطعم مصاباً بمرض السكري قطعة حلوى، لأنه يراها لذيذة ليس أكثر، ولا ينظر إليها نظرة شمولية تتضمن آثارها وعواقبها على المصاب بمرض كالسكري!

أما إن شئنا الحقيقة فإنها لغة استعمارية (Colonialism) ثقافية جديدة صار يعبرَّ عنها اليوم بـ "العولمة" (Globalization)، وبتعبير أدق وأكثر صراحة فإنها تعني (الأمركة) (Americanization)، إذ أضحت الولايات المتحدة اليوم وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية مستفردة بالعالم كله وصار الخصم الرئيس ـ إن لم يكن الوحيد الحقيقي ـ أمامها هو العالم الإسلامي ممثلاً في قواه الحية وطلائع التحرّر فيه المنطلقة من ضميره والحاملة لآلامه وآماله.

والجدير بالتأكيد عليه في هذا السياق: إن رفض التربية الإسلامية لهدف النمو البرجماتي ليس رفضاً لهدف النمو بوصفه هدفاً عاماً أو خاصاً أو نحو ذلك من التسميات، إنما يتجه الرفض لهدف النمو حين يستحيل غائياً مطلقاً ونهائياً لا هدف بعده.

أمّا في ظل اعتباره هدفاً مرحلياً أو جزئياً خاصاً أو عاماً؛ فإنَّه هدف مشروع يجب إيلاؤه من الاهتمام ما يستحق، ولا بأس من تأكيد هذا المعنى بذكر مثال على هذا وهو (هدف المواطنة الصالحة) على نحو يزيل أيَّ لبس في تقرير المعنى السابق وإليكه:

 

هدف المواطنة الصالحة

لا تختلف التربية الإسلامية عن التربية الغربية في مبدأ الهدف وعنوانه بيد أنها تختلف عنها في فلسفة الهدف ومضامينه، انبثاقاً من أصول وجذور وتفريعات كل منهما، وعلى الرغم من ادعاء التربية البرجماتية أن المقصود بذلك إخراج المواطن الصالح النافع لبلده ومجتمعه، على نحو متساوٍ بعيداً عن التعصب ودون أن يلحق بالآخرين الأذى فإن هدف التربية الغربية في حقيقة الأمر تحقيق المواطنة الصالحة على نحو "شوفيني" (Chauvinism) متعصب للعرق والبلد، بمعناه الجغرافي الضيّق من جهة، وإقامة حواجز وفوارق بين المواطنين أنفسهم من جهة أخرى، بحيث يتحول الهدف من معناه الإنساني السامي المنشود لدى الأسوياء والأحرار إلى ذلك المعنى المحدود المتخلَّف. ويغدو الإنسان بحد ذاته خارج نطاق الهدف بمفهومه الغربي، فمن كان مواطناً "أصلياً" أبيض في البلد فإن له حقوق المواطنة كاملة، ويصبح هدف إخراجه لخدمة بلده ومجتمعه على النحو السالف قائماً، أما إن كان إنساناً خارج البلد أو حتى داخلها غير أنه ملَّون، ولو كان من أبناء البلد الأصلي كما أثبتت أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001م الشهيرة فإن المواطن المعني بالهدف في حِلٍّ من أمره، وليس مسؤولاً عن قيمة، أو مبدأ يقع خارج حدوده الجغرافية، أو على غير أبناء جنسه، وفق ذلك المعنى العنصري المتخلَّف، وما يجري اليوم على أبناء الشعب الفلسطيني، من ظلم وطغيان وإفساد للأرض والبيئة، وقتل واعتقال وانتهاك لحرمة الإنسان وكرامته من غير فرق بين مقاوم وطفل وامرأة وشيخ، من قبل الكيان الصهيوني بتأييد ومباركة ودعم غير محدود من دول الغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، كما وأن ما جرى ويجري على شعوب عدة من ظلم وتدمير للإنسان والأرض في العراق وأفغانستان وسواهما من دول تزعم تحضرها وإيمانها بالقيم الإنسانية المطلقة إنما يؤكّد حقيقة هذا الهدف وبعضاً من مخرجاته.

هل نسيت الولايات المتحدة الأمريكية وهي التي تمتحن الناس اليوم بهدف المواطنة الصالحة بوصفه إحدى القيم الأمريكية العالمية المطلقة أن وجودها قام على أساس من إبادة عشرات الملايين من الهنود الحمر والعبيد ولذلك وقف العالم جميعه ضدَّها في مؤتمر مكافحة العنصرية بدربان في جنوب أفريقيا 1422هـ 2001م بتهمة أنها أكبر دولة عنصرية أسست لوجودها بإبادة تلك الملايين من العبيد، عدا وقوفها المطلق اليوم مع الحركات العنصرية الكبرى وفي مقدَّمتها الحركة الصهيونية.

إن عبارة أن الناس جميعاً خلقوا سواسية، تلك التي صدَّر بها "جيفرسون" بيان إعلان استقلال الولايات المتحدة لم يكن إعلاناً عن قيم كونية كما قد يظن البعض، لكنها كانت ذريعة احتجاجية لمساواة الرجل الأبيض في المستعمرات الأمريكية بالرجل الأبيض في البلد الأم، دون أن يدخل فيها الملونون والنساء ولا حتى اليهود[68]. وظلت قوانين التمييز العنصري سارية بعد قرنين من إعلان الولايات المتحدة الأمريكية استقلالها. وحين حصلت المطالبة بإلغاء التمييز العنصري بعد ذلك لم تستطع ـ ولو نظرياً ـ النفسية الأمريكية التخلّص من ذلك، فعلى سبيل المثال يذكر دستور ولاية (ميسيسبي) في الفصل الثامن في التربية والتعليم، الفقرة (207) النصوص التالية:[69]

"يراعي في هذا الحقل أن يفصل أطفال البيض عن أطفال الزنوج فتكون لكل فريق مدراسه الخاصة" وفي الفصل العاشر عن الإصلاحيات والسجون، الفقرة (225): "للمجلس التشريعي أن يهيئ الأسباب الآيلة إلى فصل المساجين البيض عن المساجين السود جهد الطاقة والإمكان".

وفي الفصل الرابع عشر عن الأحكـــام العامــة الفقــرة: (263):
"إن زواج شخص أبيض من شخص زنجي أو خلاسي، أو من شخص ثُمن الدم الذي في عروقه دم زنجي يعتبر غير شرعي وباطلاً".

وفي وثيقة قدَّمت في شهر فبراير/شباط 1947م إلى الأمم المتحدة تحت عنون "نداء إلى العالم" أوردت مآسي الملونين في الولايات المتحدة ومما جاء فيها:

"وفي عشرين ولاية من ولايات البلاد يفصل بين الطلبة البيض والسود في المدارس فصلاً إلزامياً أما في ولاية "فلوريدا" فتقضي قوانينها بأن تخزن الكتب المدرسية الخاصة بالطلاب الزنوج بمعزل عن الكتب الخاصة بالطلاب البيض"[70].

وإذا كانت هذه نصوص دستور، ومنطوق وثائق فكيف تزعم نخبة من المثقفين الأمريكان أصدرت بياناً عقب أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001م أن حرب دولتهم للدول المستضعفة والمنكوبة مثل أفغانستان إنما هو دفاع عن القيم الإنسانية المطلقة مثل: الحرية والمساواة والحقوق وحماية الإنسان نفسه؟! وأن من يجابه سياسات الولايات المتَّحدة الخارجية إنما هم يحقدون على المجتمع الأمريكي وطريقته في الحياة وقيمه السائدة وليس على حكومته فحسب[71].

والسؤال هنا: لِمَ لَم يختر أولئك المنفَّذون المفترضون بلداً آخر غير الولايات المتحدة الأمريكية ممن تتبنى تلك القيم نفسها؟ بل لِمَ لَم تتوجه ضرباتهم إلى مجتمعات وثنية في آسيا وافريقيا، هي أولى بالحرب إن كان الدافع اختلاف القيم؟![72].

أفيكون حرباً على القيم الإنسانية الدفاع عن الأرض والكرامة المنتهكتين في فلسطين والعراق وأفغانستان وسواها بدعم ومساندة الولايات المتحدة؟ نعم يكون ذلك فقط حين تكون تلك القيم المزعومة عنصرية "شوفينية" متعصَّبة، عدوانية، وليست إنسانية ثابتة عامة ونهائية عليا. وحديث الباحث هنا وصف لواقع دون أن يعني ذلك إقراراً منه لرد الفعل الجامح الذي يذهب ضحيته أبرياء عديدون، وتأتي نتائجه عكس مقدماته المتوقعة.

وإذا كانت القيم الأمريكية المعتمدة على التربية البرجماتية اليوم قد قامت ـ حسب إحصاءات غربية ليست عربية أو إسلامية ـ على أساس من قتل 80 مليوناً من البشر من السكان الأصليين لأمريكا و100 مليون من العبيد، وملايين آخرين في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وإحراق عشرات الألوف من المدنيين في ألمانيا، وضحايا القنبلتين النوويتين في هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين لا تحتاجان إلى تعليق؛ فكيف يمكن قبول شماعة القيم الإنسانية التي تروَّج لها بعض النخب المثقفة في الولايات المتحدة فضلاً عن سياسيها وصناع القرار فيها؟

لِمَ لَمْ نسمع تعليقاً من هذه النخب يذكر على سياسة الإبادة الجماعية للشعب العراقي – على سبيل المثال- بمختلف أعماره، وفي حادث واحد فقط هو ملجأ العامرية يبلغ عدد الضحايا من المدنيين نصف ضحايا هجمات11من أيلول/سبتمبر2001م على نحو فظيع من الانصهار غير المتصوَّر لدى الإنسان السوي أبداً؟ فهل سمعنا تعاطفاً أو صراخاً أو تهويلاً يقارن من أي وجه بهذا الذي جرى في نيويورك وواشنطن[73]، رغم إدانة كل ذوي دين أو خلق أو كرامة له.

إن القيم الأمريكية هذه نتاج طبيعي لأهداف عدوانية عنصرية من الأساس، تميّز بين أبنائها وفق معايير متخلَّفة، فضلاً عن عنصريتها الصارخة مع الآخرين. ومن شواهد ذلك ذات الدلالة الخاصة ما شهدته تلك الأحداث ذاتها (أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر) حيث يلقى القبض في أفغانستان على مجموعة من المقاتلين المتهمين بانتسابهم إلى تنظيم القاعدة، وحركة الطالبان الأفغانية، ويكتشف أن بينهم مواطناً أمريكياً أبيض يدعى (جون ووكر ليند) (John Walker Lind)، فإذا بجميع من قبض عليهم ـ رغم عدم وجود دليل واحد ضدَّهم حينذاك ـ يوضعون في أقفاص أو زنازين خليج (جوانتانامو) في كوبا، حيث القاعدة العسكرية الأمريكية المسيطرة على الخليج هنالك، وحيث لا توجد منظمات حقوق إنسان، أو قوانين حقيقية تستند إليها المحاكم الأمريكية هنالك، باعتبارها خارج أراضي الولايات المتحدة وحدودها الجغرافية، وغير ملزمة بأيّ من ذلك، وفق هدف المواطنة التي تعني حدوداً مادية هي (الوطن) وليس قيماً إنسانية (كونية) عابرة للحدود الجغرافية. أمّا (ليند) فقد صرّحت الحكومة الأمريكية على لسان وزير دفاعها في ذلك الحين (دونالد رامسفيلد) أنه ستتم محاكمته أمام محكمة مدنية داخل الولايات المتحدة، خلافاً لزملائه من العرب والأفغان وغيرهم الذين تم القبض عليهم معه، أو في تلك الأثناء، وذلك ما تم فعلياً حيث نقل وحده إلى واشنطن، وتمت محاكمته أمام محكمة مدنية هنالك. وفيما كان صرَّح وزير العدل الأمريكي حينذاك "جون آشكروفت" أن الحكم الذي قد يصدر بحق "ليند" لن يزيد عن المؤبد في حالة إدانته فعلاً[74]؛ فإن الواقع أثبت أنه لم يزد عن عشرين عاماً، رغم ما تردّد من اعترافات خطيرة أدلى بها (ليند)، وما قيل عن مشاركته الفعلية في حمل السلاح ضدّ قوات بلده الولايات المتحدة، ووقوعه في تهمة الخيانة العظمى.وهو حالياً يقضي تلك العقوبة في أحد السجون الأمريكية، تلك التي لا مجال للمقارنة بينها وبين سجون (جوانتانامو) سيئة السمعة من أي وجه.

إذاً فالمواطن الجدير بالكرامة وحقوق الإنسان وتطبيق القوانين الأمريكية عليه وفق أهداف التربية الأمريكية هو المواطن الأمريكي الأبيض.

وذلك يذكِّرنا بظاهرة الاستعمار العسكري الغربي الذي تم في القرن العشرين الميلادي المنصرم – بوجه خاص- بدعوى تطوير هذه المناطق وإعمارها، لكنهم قتلوا أحرارها، وأفسدوا بيئاتها، ودمَّروا كل من يقف عائقاً في سبيل تحقيق مشاريعهم "الاستعمارية" البغيضة، ولا باس أن يستخدموا في سبيل الوصول إلى أهدافهم تلك، كل الأساليب الهمجية والوسائل الجهنمية، فإن وقف أحد في وجوههم صاحوا: همج، إرهابيون، رعاع، يقفون ضدّ الحضارة والتقدّم، حتى إن رواية تحكى عن أحد هؤلاء المستعمرين "بكسر الميم" كان جثم على صدر إفريقي مستعمر (بفتح الميم) وشرع في ذبحه كما تذبح النعاج، فلم يجد المذبوح طريقاً للدفاع عن نفسه وهو يحس بحرارة الموت سوى أن جذب يد المستعمر البيضاء فعضَّها فصاح الأوربي المتحضَّر: متوحَّش يعضني وأنا أذبحه!! والحكاية ذات دلالات رمزية بعيدة بدون شك، ولعلها تختزل ذلك البيت الشعري القائل:

قتل امرئٍ في غاية جريمة لا تغتفر          وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر

وقد صرح أحد كبار المسؤولين في البنك الدولي بأنه من الممكن استئجار مساحات شاسعة في إفريقيا لإلقاء العوادم الكيماوية والنووية والنفايات الأخرى من بقايا المجتمعات الغربية نظير مبالغ سخيّة تدفع للدول الإفريقية لتساعد في عملية التنمية. أي أن البلدان الإفريقية ستتحول إلى مقالب ضخمة لزبالة السادة الأوروبيين نظير مبلغ مالي محترم[75].

وهكذا يتضح معنى المواطنة الصالحة عند الغربيين ولمن تنصرف، وما معاييرها. أما التربية الإسلامية فإن هدفها الأساس: إخراج الإنسان العابد الصالح المصلح. وتأمل أن المواطن جزء من الإنسان وليس هو القيد الوحيد على الإنسان، كما تفعل البرجماتية. فالإنسان إنسان بصرف النظر عن دينه ولونه وجنسه وعرقه. كما تقرر ذلك النصوص القرآنية الصريحة والأحاديث النبوية الصحيحة فمن الآيات قول الحق –تعالى-: ﴿ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر، ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً﴾ [الإسراء:70]، ومن الأحاديث الشريفة توجيه الرسول محمّد ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع»[76]. واضح أن هذا حكم عام في جنازة المسلم أو غيره، بيد أن ثمة حديثاً آخر خاصاً يؤكد صراحة أن غير المسلم لا يستثنى من هذا العموم فقد روى جابر بن عبد الله قال: “مرت جنازة فقام لها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقمنا معه، فقلنا يا رسول الله: “إنها يهودية" فقال: "إن الموت فزع، فإذا رأيتم جنازة فقوموا"[77]. وفسر العلّة التكريمية من وراء ذلك القيام في رواية أخرى عن ابن أبي ليلى أن قيس بن سعد وسهل بن حنيف كانا بالقادسية فمرت بهما جنازة فقاما لها فقيل لهما: "إنها من أهل الأرض" فقالا: "إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ  مرَّت به جنازة فقام فقيل له: إنه يهودي فقال: أليست نفساً"[78].

وأما اللون والجنس والعرق فحسبنا قول الله –تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ...﴾ [الحجرات:13]، وقول رسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ  في خطبته بحجة الوداع:«يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم وأحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا عجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى...»[79].  أما وصف الإنسان بالعابد في أهداف التربية الإسلامية فتلك إشارة إلى أن المتعلم ينمو في كل اتجاه، روحياً وعقلياً وجسمياً ووجدانياً ونفسياً وفردياً واجتماعياً...إلخ بما ينسجم ومعنى العبادة الشامل الجامع الذي أشار إليه الإمام ابن تيمية (ت: 728هـ)بقوله: العبادة “اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة”[80]. وهنا يصبح دافع المتعلم إلى هذا النمو منسجماً مع العبادة وفق هذا المعنى، وبذلك فإن هدف النمو الشامل يعني ـ فيما يعني ـ نيل الثواب وتحقيق سعادة الدارين بوصف ذلك الغاية القصوى للتربية الإسلامية. وحينما يتوافر شرطا الإخلاص والصواب في السلوك فإنه يستحيل عبادة أيّا ما كانت طبيعة السلوك المرتبط بها، دينياً بالمعنى الخاص، أم دنيوياً بالمعنى العام. ووصف الإنسان المستهدف بالصلاح رمز إلى الالتزام الذاتي بمضامين التعلم، وامتثال القيم. ولكن لما كان ذلك أمراً لا يحقق وحده أهداف التربية الإسلامية؛ فكان أن أضيف وصف المصلح ليدل على الفاعلية الإيجابية، التي لا تقف بالمتعلم عند حدود الصلاح الذاتي، ولكنها تتعداه إلى إصلاح الآخرين، داخل المجتمع الإسلامي وخارجه، حتى يعم الصلاح الجميع بلا فرق. وبهذا تبرز سمه التكامل والتفاعل في أهداف التربية الإسلامية إلى جانب سمات أخرى كالشمول والتنوع والتوسط والاعتدال والعالمية والانتشار[81]. أما سمة الثبات فإنها محور النزاع الجوهري بين التربية الإسلامية والتربية البرجماتية فعلى حين تتصف بها الأهداف التربوية الغائية في التربية الإسلامية فإن البرجماتية لا تسلَّم بوجود أهداف من هذا النوع، حيث يتعارض ذلك مع النظرة الديناميكية المتفاعلة للحياة عندها، ثم إن النمو والتربية والحياة ـ من وجهة نظر ديوي ـ شيء واحد[82]. وحين الحديث عن هدف إخراج المواطن الصالح في التربية البرجماتية فإن ذلك سيصطدم برفضها الإيمان بأهداف ثابتة ليحدّد معيار ذلك الصلاح -كما سبق تفصيل ذلك-. وكذلك النمو فمهما قيل إن المقصود بالنمو النمو الإيجابي دون السلبي؛ فإننا سنجد أنفسنا قبالة السؤال المحير: ما معيار النمو الإيجابي هذا؟ بحيث يمثل اتفاقاً اجتماعياً عاماً دائماً لا يتسبب في نزاع أو خصام أو فرقة في المجتمع؟ ولا نخال أنفسنا بحاجة إلى التذكير بحالة الصراع العنيف الذي تشهده الفلسفات التربوية الغربية سواء التقليدية منها كالمثالية والواقعية أم التقدمية الحديثة كالبرجماتية، كما سبقت الإشارة لذلك آنفاً. وعلى ذلك فلا يبقى سوى الدين الشامل الجامع لكافة أبنائه أو لأغلبيتهم يوحَّد بينهم، في النظرة إلى الهدف الغائي للإنسان، ونظرته إلى القضايا الكلية مثل الإله ـ الإنسان ـ الكون ـ الحياة ـ المجتمع ـ الآخرة.

 

النتائج والتوصيات

في ضوء ما تقدم يمكن للباحث استخلاص النتائج التالية، يعقبها بالتوصيات وذلك على النحو التالي:

 

أولاً: النتائج

  1. ليس للاختلاف اللغوي حول دلالات مفردات كل من الهدف والغرض والغاية ونحو ذلك آثار تربوية جوهرية مباشرة في دراسة الأهداف، وإن كان الأمر لا يخلو أحياناً من إلباس وحدوث إشكال؛ يعزى إلى الاختلاف والضعف الملحوظ في ضبط المفردات المستعملة.
  2. ثمة تصنيفات عدة للأهداف منها الثنائي ومنها الثلاثي، ولكل منها اشتقاقاته وصيغه والخلاف بينها لفظي أكثر مما هو جوهري حقيقي إذا ما روعيت المسلَّمات المطلقة في التربية الإسلامية من مثل وجود أهداف مطلقة أو ثابتة غائية.
  3. يكمن جوهر الخلاف بين أهداف التربية الإسلامية وأهداف التربية الغربية ممثلة في البرجماتية ـ على سبيل المثال ـ في تأكيد الأولى على وجود أهداف مطلقة ثابتة غائية ونفي الأخرى وجود ذلك وحصره في النمو الذي ليس له من هدف سوى النمو ذاته.
  4. كشفت الدراسة الحالية عن مدى التأثر الحاصل في بعض كتابات أبرز التربويين العرب المتأثرين بالمدرسة البرجماتية "الغربية".
  5. كشفت الدراسة عن السبب الرئيس الكامن من وراء ذلك التأثر وأنه يرجع إلى سنوات التكوين العلمي الأولى لهذه الفئة في الغرب وفي الولايات المتحدة الأمريكية على وجه التحديد، ومنهم من تتلمذ على أيدي بعض تلك النخب في البلدان العربية.
  6. تؤِّكد النصوص القرآنية والنبوية توافر أهداف مرحلية جزئية خاصة وثانية عامة وثالثة نهائية مطلقة وغائية ثابتة عليا، ويمكن أن تنحصر في هدفين أحدهما غائي ثابت أعلى وهذا هو الجوهر بالنسبة لفلسفة التربية الإسلامية.

 

ثانياً: التوصيات

توصي الدراسة الباحثين في ميدان التربية الإسلامية بما يلي:

  1. مع التأكيد على أن الاختلاف في دلالات مفردات كل من الهدف والغرض والغاية ونحو ذلك ليس ذا تأثير جوهري مباشر في دراسة الأهداف؛ إلا أن المنهج الأصيل يتطلب من الباحثين في ميدان التربية الإسلامية تأصيل المفردات المستعملة في كتاباتهم المتصلة بالأهداف من خلال الرجوع إلى المصادر اللغوية المعتمدة على نحو يزيل أي لبس قد ينشأ أو إشكال قد يثور، نظراً لما يتسببه التساهل في ذلك من تداخل وإلباس أحياناً.
  2. مع التأكيد كذلك على أن تصنيف الأهداف لا يمثل مشكلة جوهرية بحد ذاته إذا ما روعيت المسلمات المطلقة في التربية الإسلامية من مثل وجود أهداف مطلقة أو ثابتة غائية عليا؛ إلا أن التوصية جديرة بضرورة أن يبذل الباحثون في هذا المجال جهودهم في سبيل ضبط المفهوم التصنيفي ودلالاته ليكون لكل من لفظ الهدف الخاص أو المرحلي أو الجزئي أو نحو ذلك دلالته المؤكدة على مراد الباحث وقصده النابع من منهج علمي قويم، وبذلك يتميز الهدف العام والهدف النهائي أو الغائي المطلق.
  3. توصي الدراسة بضرورة التأكيد والتشديد على قيام أهداف مطلقة ثابتة أو غائية مطلقة في التربية الإسلامية، وإن ذلك جوهر ما يميزها عن فلسفة التربية الغربية ممثلة في البرجماتية، ولكن ذلك لن يصبح ذا قيمة حقيقية ما لم يبلور هذا التوجه عملياً في الكتابات الخاصة بهذا المجال، وعدم الانسياق وراء الكتابات المتأثرة بالأهداف وصياغتها في التربية الغربية البرجماتية.
  4. ضرورة التنبيه والتقويم للكتابات المتصلة بالأهداف التربوية المتأثرة بالفكر التربوي البرجماتي الغربي، والأخذ بأيدي أولئك الباحثين ومن نحى منحاهم للمراجعة الشجاعة، والتقويم المستمر، والعودة إلى الذات، وهذا طموح لن يتحقق تماماً مالم تقدم دراسات راسخة في هذا الميدان من الدارسين المنتمين إلى تخصص فلسفة التربية الإسلامية فكراً وسلوكاً.
  5. الإفادة من خطأ تجربة الابتعاث الأكاديمي في التعليم العالي التي تمت في العقود الماضية لبعض النخب العلمية، حين دُفع بها إلى الغرب لدراسة الفكر التربوي من غير تحصين ثقافي جيّد، أو تربية وقائية كافية تصد الغزو التربوي الغربي الذي زحف على المؤسسات التربوية والحصون العلمية بهذا المنهج البعيد المدى أكيد المفعول. وهنا يتوجّب على القائمين على مؤسسات البحث العلمي والدراسات العليا ودوائر التأهيل المعنية عدم التسرّع في إجراءات الابتعاث إلى الغرب في الدراسات الإنسانية والاجتماعية بوجه عام والعلوم التربوية على وجه أخص إلا بشروط ومؤهلات في مقدَّمتها توافر التحصين الثقافي والإيديولوجي الجيّد لمن اقتضت الضرورة ابتعاثهم إلى الغرب تحديداً.
  6. أهمية توظيف النصوص القرآنية والنبوية المتصلة بالأهداف في عناصر المنهاج عبر مفردات مادة التربية الإسلامية وبعض المفردات ذات العلّاقة مثل التربية الاجتماعية لتحقيق الهدف النهائي المطلق وهو تحقيق مبدأ العبودية في نفسية المتعلم، بعد استيعابه مفهوم العبادة الشامل، وعدم تعارض الأهداف الجزئية المرحلية الخاصة أو العامة مع الهدف الغائي الثابت المطلق.

 

 


 *  الدكتور أحمد محمد الدغشي أستاذ أصول التربية الإسلامية وفلسفتها بكلية التربية في جامعة صنعاء باليمن. قدم هذه الورقة في ندوة "الأخلاق الإسلامية والتربية" التي عقدها مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق بجامعة أوكسفورد في بريطانيا من 22 إلى 24 أبريل 2014.


 

الهوامش

1 الرازي، محمد. مختار الصحاح (مادة هدف)، عناية وضبط: سميرة خلف الموالي. بيروت: المركز العربي للثقافة والعلوم د.ت، د. ط، ص 504.

2 أنيس، إبراهيم وآخرون. المعجم الوسيط (مادة هدف). بيروت: دار إحياء التراث العربي د.ت، ط الثانية، جـ2، ص 977.

3 الرازي. مرجع سابق (مادة غيا)، ص 360.

4 المرجع السابق، ص 360.

5 أنيس وآخرون. مرجع سابق (مادة أغيا)، جـ2، ص 669.

6 المرجع السابق، جـ2، ص 669.

[7] يالجن. مرجع سابق، ص 22.

8 المرجع السابق، ص 19.

9 المرجع نفسه، ص 20.

10 المرجع نفسه، ص 19-20.

11 الكيلاني. أهداف التربية الإسلامية. مرجع سابق، ص 18.

12 جنزرلي. مرجع سابق، ص 22.

13 عفيفي. مرجع سابق، ص 34.

14 يالجن. مرجع سابق، ص 23-25.

15 جنزرلي. مرجع سابق، ص 18.

16 عفيفي. مرجع سابق، ص 33-34.

17 عبد المعطي، يوسف. (تعقيب على دراسة أ.د سعيد إسماعيل عن أهداف المدارس الإسلامية، المسلم المعاصر، 1412هـ ـ 1992م، العدد 63.

18 يالجن. مرجع سابق، ص 25.

19 الشيباني، عمر. فلسفة التربية الإسلامية. ليبيا: الدار العربية للكتاب، 1988م، د.ط ، ص 282.

20 فينكس. مرجع سابق، ص 828-829.

21 الكيلاني، أهداف التربية الإسلامية، مرجع سابق، ص15-16.

22 جنزرلي. مرجع سابق، ص 20.

23 يالجن. مرجع سابق، ص 41.

24 المرجع السابق، ص 41-184.

25 عفيفي، مرجع سابق، ص29-30.

26 المرجع السابق، ص83-84.

27 عبد الدائم، عبد الله. نحو فلسفة تربوية عربية. الطبعة الأولى. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1991م، ص 80.

28 المرجع السابق، ص 83-84.

29 المرجع نفسه، ص 230-231.

30 فينكس، مرجع سابق، ص829-830.

31 راجع على سبيل المثال: عفيفي. مرجع سابق، ص 83-84. النجيحي، محمد. مقدّمة في فلسفة التربية. الطبعة الثانية. بيروت: دار النهضة العربية، 1981م، ص 141و 147و 49. عبد الدائم. مرجع سابق، ص 230.

32 فينكس. مرجع سابق، ص 830.

33 عفيفي، مرجع سابق، ص83-84.

34 عبد الدائم، مرجع سابق، ص 230.

35 انظر: فينكس. مرجع سابق، ص 831.

36 النجيحي. مرجع سابق، ص 141. ولمزيد تفصيل انظر: ص 146-150 من الكتاب نفسه.

37 المرجع السابق، ص 147.

38 المرجع نفسه، ص 149.

39 صالح، هاني. فلسفة التربية. عمّان: د. ن، 1967م، د. ط، ص 73.

40 Dewy, John. On Education (Select Writings). 1947, without edition, Chicago and London: University of Chicago, p.73.

41 Seetharmu, A.S. Philosophy of Education. 1989, without edition, New Delhi: Ashis Publishing, pp.64-65.

42 راجع هذا المعنى في ترجمة الباحث نفسه لكتاب: فلسفة التربية لفينكس، ص 833-834.

43 النجيحي. مرجع سابق، ص 141.

44 فينكس، مرجع سابق، ص832-833.

45 عبد الدائم. مرجع سابق، ص 233-234.

46 الشيباني، فلسفة التربية الإسلامية، مرجع سابق، ص288-304، وانظر: علي هود باعباد، الثقافة الإسلامية (مجموعة مؤلفين)، 1407هـ ـ 1996م، ط السادسة، صنعاء: مكتبة الإرشاد، ص136.

47 الشيباني. المرجع السابق، ص288-289.

48 المرجع نفسه، ص 294.

49 نفسه، ص 294.

50 نفسه، ص 295.

51 الأبراشي، محمد. التربية الإسلامية وفلاسفتها. الطبعة الثالثة. القاهرة: مطبعة عيسى البابي الحلبي، 1395هـ - 1975م، ص 22-25.

52 الشيباني. فلسفة التربية الإسلامية. مرجع سابق، ص302.

53 المرجع السابق، ص 303.

54 مسلم. صحيح مسلم (مع شرح النووي) كتاب الزكاة، باب الابتداء في النفقة بالنفقة ثم الأهل ثم الأقارب. القاهرة: المطبعة المصرية ومكتبتها، د.ت، د. ط، جـ7، ص 82، عن أبي هريرة.

55 البخاري. صحيح البخاري (مع فتح الباري)، (كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل. بيروت: دار الفكر، د.ت، د. ط، جـ9، ص 497، حديث رقم 5351، عن أبي مسعود الأنصاري.

56 أخرجه الطبراني عن كعب بن عجرة: وهو صحيح: انظر: الألباني، صحيح الجامع الصغير وزيادته، بيروت: المكتب الإسلامي، 1402هـ - 1982م، جـ 2، ص8، حديث رقم 1441.

57 البخاري، الصحيح مصدر سابق، (كتاب المظالم والغصب، باب من قاتل دون ماله، جـ5، ص 123، حديث رقم 2480، عن عبد الله بن عمرو.

58 أخرجه ابن سعد والبخاري في الأدب المفرد والحاكم وغيرهم عن أبي هريرة وهو صحيح: انظر: الألباني، مرجع سابق، جـ2، ص 285، حديث رقم 2345.

59  كتاب الجهاد، "باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العلّيا". جـ6، ص27-28، حديث رقم 2810 عن أبي موسى الأشعري.

60 علي، سعيد. فلسفات تربوية معاصرة (عالم المعرفة: 198)، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، محرم، 1416هـ-يونيو/حزيران 1995م، ص 131-133.

61 المرجع السابق، ص 133.

62 النجيحي. مرجع سابق، ص 155-156.

63 النجيحي. المرجع السابق، ص 156.

64 النجيحي، الأسس الاجتماعية للتربية، الطبعة الثامنة. بيروت: دار النهضة العربية، 1981م، ص 13-14.

65 عبد الله، عبد الرحمن. مرجع سابق، ص 20-21.

66 الكيلاني، ماجد. فلسفة التربية الإسلامية. الطبعة الثانية. مكة المكرمة: مكتبة هادي، 1409هـ - 1988م، ص 52. وراجع تفصيل ذلك الصراع بين الفلسفات الغربية: ص 28-54 من المرجع نفسه.

67 المرجع السابق، ص53.

68 الحوالي، سفر. "رسالة من مكة: عن أيّ شيء ندافع؟". موقع الشيخ الدكتور سفر الحوالي:http://www.alhawali.com/index.cfm?method=home.ShowContent&ContentID=14&FullContent=1 (تاريخ الدخول إلى الموقع 30/1/2014م).

69 المرجع السابق.

70 المرجع نفسه.

71 معهد القيم الأمريكية، بيان (60) من المثقفين الأمريكان عنوانه: على أي أساس نقاتل؟ (ترجمة موقع: الإسلام اليوم) انظر نص البيان في  www.islamtoday.net ( دخول في 20/2/2002م).

72 المثقفون السعوديون، بيان (160) مثقفاً سعودياً عنوانه: على أي أساس نتعايش؟ (رداً على بيان المثقفين الأمريكان)، انظر نص البيان في www.islamtoday. net( دخول في 20/2/2002م).

73 الحوالي. مرجع سابق.

74 محطة بي بي سي (العربية) (B B C ) (لندن)، برنامج: العالم هذا الصباح، الساعة السادسة بتوقيت جرنتش، 3/ذو القعدة 1422هـ الموافق 16كانون الثاني/يناير/2002م. وراجع كذلك: الموقع العربي ذاته: بي بي سي أون لاين، 15كانون الثاني/يناير2002م http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_1762000/1762646.stm (دخول في 30/1/2014م).

75 المسيري، عبد الوهاب. إشكالية التحيز، المقدّمة (فقه التحيز). الطبعة الأولى. هيرندن ـ فيرجينيا ـ أمريكا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1417هـ - 1998م، ص 57.

76 مسلم، الصحيح، مصدر سابق، (كتاب: الجنائز، باب: القيام للجنازة ونسخه) جـ7، ص 26، عن عامر بن ربيعة.

77 المصدر السابق، جـ7، ص 28.

78 شرح النووي لصحيح مسلم. مصدر سابق، جـ7، ص29-30.

79 رواه أحمد. انظر: الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (مع شرح بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني، أحمد عبد الرحمن البنا الساعاتي، د.ت، د. ط، القاهرة: دار الحديث وقال الساعاتي في تخرج هذا الحديث عن الهيثمي: "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح"، جـ12ص226-227، رقم الحديث 427.

80 تيمية، أحمد. مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، القاهرة: دار الرحمة، د.ت، د. ط، كتاب السلوك، جـ10، ص 149.

81 حسان، حسان محمد. مرجع سابق، ص 813-816.

82 عبد الله، عبد الرحمن. مرجع سابق، جـ1، ص 20.

أضف تعليقاتك

Your email address will not be published*

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

اشترك في نشرتنا الإخبارية

إدارة اشتراكاتك في الرسائل الإخبارية
اختر نشرة أو أكثر ترغب في الاشتراك فيها، أو في إلغاء اشتراكك فيها.
حتى تصلكم رسائل بآخر فعالياتنا وبمستجدات المركز

عنوان البريد الإلكتروني للمشترك

Copyright © 2011-2024 جميع الحقوق محفوظة مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق