Islamic Theory of Ethics: Brief Overview
تدرس نظرية الأخلاق الإسلامية الأسس العقلية/ الدينية للقواعد والمبادئ التي ينبغي أن يعمل الإنسان بمقتضاها في مناحي الحياة المختلفة، اعتمادًا على المصادر الإسلامية. كما تدرس النظرية تجذر هذه الأسس في التصور الإسلامي عن علاقة الإنسان بالله وبالوجود، وانبناء تلك الأسس على المسلّمات الوجودية والمعرفية والميتافيزيقية الإسلامية. و تجيب بالضرورة عن إشكاليات فلسفية تسائل أسس سلوك الإنسان ومعاييره، ومصدر هذه المعايير. من هذه الإشكاليات؛ معيار الخير والشر، ومصدر الإلزام الخلقي، ومفهوم المسؤولية الإنسانية وشروطها وعلاقتها بالحرية الإنسانية، وعلاقة الحرية الإنسانية بالحتمية والقدر، ومفهوم الواجب الأخلاقي وعلاقته بالخير الأخلاقي، وإمكان وجود الجزاء الأخلاقي، ونية الإنسان ودوافعه الموجبة لعمله، ومدى علاقة الجهد الإنساني بالأخلاقية.وحقل نظرية الأخلاق الإسلامية حقلٌ حديث نسبيًّا، إذ يمكن التأريخ لبدئه بالدراسة الرائدة الأصيلة للشيخ محمد عبد الله دراز التي كتبها ابتداء بالفرنسية في 1947، تحت عنوان (الأخلاق في القرآن) والتي طرح فيها التساؤلات الفلسفية الأخلاقية الشائعة في حقل الأخلاق في أوروبّا والذي درسه وفهمه بعمق، ثمّ أجاب عن هذه التساؤلات من خلال القرآن الكريم، ومفسرًّا كذلك بل وناقدًا لكثيرٍ من المقولات الكلامية و الفقهية والأصولية في العلوم الإسلامية المختلفة مشيرًا إلى دلالاتها الأخلاقية. ولم يتخذ الشيخ دراز هذا الموقف الناقد من التراث الإسلامي فقط بل، تبنّى موقفًا ناقدًا مشابهًا تجاه المقولات الفلسفية الأخلاقية الغربية التي تبلورت في أوروبّا بوضوح في الحقل الذي أسموه (الفلسفة الخلقية) أو (الأخلاق النظرية) أو (الأخلاق) منذ ديفيد هيوم على وجه التقريب. و قد أثمرت دراسة الشيخ دراز تكوين نظرية أخلاقية إسلامية كاملة ذات العمد الخمس للنظرية الأخلاقية الغربية: الإلزام والمسؤولية والجزاء والنيّة والجهد. وفي الواقع، لم يبن أحد من المهتمين بدراسة الأخلاق الإسلاميّة في النصف الثاني من القرن العشرين بناءً مباشرًا على نتائج العمل الرائد للشيخ محمد عبد الله دراز _فيما نعلم_ بل لم يحاكيه أحدٌ منهم في منهجه. وظلّ هذا العمل رائدًا معزولاً مهيبًا، حتّى بدأت دراسات أخرى تتراكم عن "تاريخ نظرية الأخلاق لدى المسلمين" والتي نحا معظمها منحىً دفاعيًّا يتغيّى إثبات أنّ لدينا "أخلاقًا نظريّة" كما لدى الغرب، بل نحن سبقناهم بقرون غير أنّ أسلافنا لم يسمّوا حقل الأخلاق "أخلاقًا"، بل بحثوا مسائله تحت مباحث علوم أخرى، هي علم الكلام وعلم أصول الفقه والتصوف. من هذه الدراسات، دراسة د. أحمد محمود صبحي (الفلسفة الأخلاقية في الفكر الإسلامي: العقليون والذوقيون أو النظر والعمل، 1980) ودراسة د. ماجد فخري (النظريات الأخلاقية في الإسلام، 1991). ثمّ توالت دراسات أخرى تدرس "تاريخ الأخلاق" عوضًا عن بناء "الأخلاق"؛ حتّى قدّم د. طه عبد الرحمن دراسته في نقد الحداثة الغربية (سؤال الأخلاق، 2000) التي تهدف إلى تقويض مسلمّات الحداثة الغربيّة إلاّ أنّها لم تكتف بالجهد التقويضي، بل قدّمت عملاً بنائيًّا موازيًا يهدف إلى بناء نظرية أخلاق تتجذر في الميتافيزيقا الإسلامية، ذات مسلّمات وجوديَّة ومعرفيَّة.

وتتنوع مناهج "بناء" النظرية الأخلاقية الإسلامية، و مناهج قراءة تاريخ العلوم الإسلامية لتكوين "تاريخ" النظرية الأخلاقية الإسلامية. أمّا مناهج بناء نظرية الأخلاق الإسلامية، فيمكن رصد منهجين في بنائها؛ المنهج المرّكب الذي اتّبعه د.دراز، ومنهج محاكاة نسق التصوف الذي اتّبعه د.طه عبد الرحمن. أمّا الأول، فقد ركّب عدّة مناهج ليصل إلى تكوين نظرية أخلاق إسلامية، أولها طرائق المنهج العقلي التي يتبعها الفلاسفة والتي تقوم على (التعريف والتقسيم والبرهنة والاعتراضات والإجابات)، وثانيها المنهج الاستنباطي الذي يقوم على استنباط الفروع من الأصول، حيث استنبط من نصوص القرآن والسنّة معاني وتوجيهات شكّلت أصولاً، ثمّ فرّع على هذه الأصول قواعد ومفاهيم أخلاقيّة، وثالثها، المنهج المقارن النقدي، الذي يقارن مقولات أخلاقيّة غربية بأخرى إسلامية كلامية أو أصوليّة أو فقهية، ناقدًا كلاًّ منها ومفكّكًا ثمّ بانيًا لمقولات جديدة ذات أصل قرآني وحديثي. ورابعها، منهج تفسير القرآن والسنّة، الذي يقرأ القرآن بعين فلسفية تشكك وتسائل ثمّ تطرح على القرآن أسئلتها، فتجد يقينها وجوابها في كليّة القرآن وفي نصوصٍ قد لا ترتبط بالقضية الأخلاقيّة موضع النظر ارتباطًا لغويًّا مباشرًا. وأمّا الثاني، فقد استخدم منهجًا متفردًّا، وهو محاكاة بناء علم التصوف الإسلامي من أجل بناء نظرية أخلاق إسلامية، فعمد د.طه عبد الرحمن إلى مقولات صوفية يصنع منها أركانًا لنظرية أخلاقيّة إسلامية، وهي الميثاق الأول، وشق الصدر، وتحويل القبلة. ثمّ استلهم مفاهيم التصوف وألبسها لباسًا أخلاقيًّا وأسماها أسماءً جديدة، مثل مقايسة المتخلّق على المتصوف، وتحويل القاعدة الصوفية من ضرورة الشيخ للمريد إلى مبدأ اخلاقي أسماه بمبدأ الاقتداء الحي، وتسمية التشبه بأسماء الله الحسنى بمبدأ التخلّق بالصفات الحسنى، وهكذا، حتّى وصل إلى توليد علم أخلاق جديد من رحم علم التصوف القديم. وتختلف مناهج تكوين نظرية الأخلاق الإسلامية عن مناهج قراءة تاريخ النظرية الأخلاقية في الحضارة الإسلامية.

ويتصدّر هذه المناهج، المنهج التحليلي التركيبي، الذي يعيد قراءة علوم الحضارة الإسلامية ويفككها ليجد فيها أسسًا لعلوم أخرى مستحدثة. وهذا المنهج هو ما اتّبعه د. ماجد فخري في كتابه الصادر بالإنجليزية "تاريخ النظريات الأخلاقية في الإسلام" حيث أعاد قراءة تاريخ العلوم الإسلامية بعامّة، ليستخرج منها تاريخ أخلاقٍ نظريّة إسلاميّة تحاكي الأخلاق النظريّة الغربيّة الحديثة المقسمة إلى: الأخلاق الإنجيلية، الأخلاق الثيولوجية، الأخلاق الفلسفية، الأخلاق الدينية. أعاد د. ماجد فخري تقسيم العلوم الإسلامية، لتسير وفق هذا النسق العاصر؛ فاستخرج مقولات المعتزلة والأشاعرة المؤسّسة لأخلاق إسلاميّة وأسماها "الأخلاق الثيولوجيّة" وكذا قرأ مقولات الاتجاه المشائي الإسلامي المتابع للمنقول اليوناني والهللينستي، وأسماها "الأخلاق الفلسفيّة" ثمّ قرأ تكامل العلوم الإسلاميّة في شخص الإمام الغزالي، وأسمى هذا التكامل "الأخلاق الدينية". أمّا الأخلاق المستمدّة من قراءة القرآن والسنّة قراءة "مباشرة، فأسماها "الأخلاق الكتابية" التي تناظر "الأخلاق الإنجيليّة" scriptural morality ، وفي قراءته للقرآن والسنّة استخدم منهج التحليل اللغوي، الذي يبحث في معاني الألفاظ القرآنية المرتبطة ببحث الأخلاق واشتقاقاتها ليصل في النهاية إلى مفهومها الاجتهادي، مثل "البر" و"القسط" و"العدل" وما إليها.

بقي القول، أنّ "الأخلاق النظرية" بتاريخها المتجذر منذ حضارة اليونان، والعابر لكل حضارات العالم والمتكامل حديثًا في شقين: نظري وتطبيقي، يختلف في تاريخه ونشأته ومباحثه عمّا يسمى (فلسفة القيم) والتي نشأت نشأة حديثة من رحم علم الاقتصاد؛ الذي طرح مفهوم "القيمة المضافة". وتشمل فلسفة القيم ثلاثة أنواع: القيم العقلية، والجمالية، والقيم الأخلاقية. فتكون القيم الأخلاقية فرعًا واحدًا عن فلسفة القيم، و لا تتساوى معها بكليتها، ولا تتشابه معها في قضاياها.

أضف تعليقاتك

Your email address will not be published*

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

اشترك في نشرتنا الإخبارية

إدارة اشتراكاتك في الرسائل الإخبارية
اختر نشرة أو أكثر ترغب في الاشتراك فيها، أو في إلغاء اشتراكك فيها.
حتى تصلكم رسائل بآخر فعالياتنا وبمستجدات المركز

عنوان البريد الإلكتروني للمشترك

Copyright © 2011-2024 جميع الحقوق محفوظة مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق